من الصحف

الاقتطاع مستمر... والهدف تذويب الودائع؟

الاحداث- كتبت سابين عويس في صحيفة النهار تقول:"منذ ان اندلعت #الأزمة المالية والنقدية التي أدت إلى انهيار العملة الوطنية و#القطاع المصرفي، غداة انتفاضة 17 تشرين الاول من العام 2019، والوسطان الاقتصادي والرسمي منشغلان فيها إعلامياً على الاقل، علما ان ذلك الانشغال لم يؤدِّ إلى اتخاذ أو إقرار أي اجراءات جدية وجذرية لمعالجتها، بل اكتفت السلطة السياسية بجناحيها التنفيذي والتشريعي بوضع خطط ومناقشة مشاريع قوانين لم ترسُ على برّ، بل بقيت تدور في فلك الوعود والمواقف الشعبوية. 


ثلاث خطط حكومية وُضعت حتى الآن تحت عناوين التعافي الاقتصادي وردّ #الودائع وهيكلة القطاع المصرفي، لكنّ اياً منها لم يسلك طريقه نحو التنفيذ، بعدما تبين ان جميعها ترمي إلى غير ما تعلن، أي التهرب من مسؤولية رد الودائع من اي جهة مسؤولة من الجهات الثلاث الرئيسية، اي الدولة والمصرف المركزي والمصارف، بقطع النظر عن تراتبية تلك المسؤولية أو نسبتها، والتركيز على تحميلها للمودعين، وأيضاً بقطع النظر عن توزيع هؤلاء، ما بين مستفيد من الهندسات المالية أو صاحب مدخرات أو جنى أعوام من العمل الشرعي تحت سقف القانون. واللافت ان الاستعصاء الذي تمارسه السلطة حيال الحلول، وهي موجودة وغير تعجيزية، بدأ يؤكد ما بات مؤكداً بأن الهدف من المماطلة تحت ذرائع تقاذف المسؤولية يرمي من دون أي لبس إلى تذويب ما تبقّى من تلك الودائع إلى الحد الادنى الممكن، وقد نجحت هذه الخطة حتى الآن في تذويب نحو 30 في المئة منها، فضلاً عن تحقيق الهدف الآخر المتمثل بضرب القطاع المصرفي والثقة به كلياً تمهيداً لدخول شركاء جدد لم تتبلور هويتهم في شكل كامل بعد، وإنْ كانت الحملات التي تستهدف هذا القطاع في شكل عام وبعض رؤساء مجالس أو أصحاب مصارف محددة، من دون غيرها، تشي بأن العين على تلك المصارف، كونها الأكثر هشاشة من حيث تورّطها في الانكشاف على مصدر الخسائر. 

ما يعزز هذا الانطباع استمرار عملية تقاذف المسؤوليات بين الحكومة والمجلس والمصرف المركزي الذي يرفض حتى الآن أي تعامل مع مسألة الودائع أو تحرير سعر صرف السحوبات من الاقتطاع الحاصل (حيث لا تزال تلك السحوبات تتم على سعر 15 الف ليرة، فيما السعر الرسمي المعلن من "المركزي" يبلغ 89،400 ليرة) على اعتبار ان هذا الامر هو خارج نطاق الصلاحيات التي ينيطها بها قانون النقد والتسليف. 

يؤكد الحاكم بالانابة وسيم منصوري في هذا السياق ان السعر يجب ان يكون موحداً وعلى المصارف ان تسدد السحوبات وفق السعر الرسمي، لكن عندما يُسأل كيف تحقيق ذلك وقد جفف "المركزي" الكتلة النقدية بالكامل، لمنع اي مضاربات على الدولار، يقول ان المصرف المركزي لا يسعه القيام بأي اجراء في حق المصارف الممتنعة عن السداد وفق السعر الرسمي وعلى المواطنين ان يلجأوا إلى القضاء!

يلاحظ ان المصارف لجأت إلى حماية نفسها من الملاحقة القانونية إما عبر وقف السحوبات وفق التعميم 161 الذي حدد سقفاً يصل إلى 24 مليون ليرة أي ما يعادل 1600 دولار، أو عبر إلزام الزبائن الراغبين بالسحب على اساس 15 الف ليرة باسقاط حقهم بالدعاوى! وفي هذه الحالة، يستمر الاقتطاع غير المعلن بنسبة 85 في المئة. 

بالنسبة إلى منصوري، اموال المودعين على 89،400 ليرة غير موجودة، بسبب عدم وجود سيولة لتغطيتها للراغبين بسحب اكثر من 150 دولارا المعلنة بالتعميم 166. ويقرّ بأن ثمة عُرفا سائدا وفوضى ليس في وارد الاعتراف بهما كمصرف مركزي. هو يدرك أن المصارف من دون قانون ينظم اعادة هيكلتها ذاهبة إلى الإفلاس. واذا كانت السلطة السياسية تريد منه تحمّل مسؤولية الهيكلة فلا بد من اقرار قانون يمنح "المركزي" صلاحيات تشريعية. 

يدق منصوري ناقوس الخطر بقوة عندما يؤكد ان الدولة في خطر والمصارف كذلك، لافتاً بوضوح الى ان الخطر بات وجودياً. هو يرفض العودة إلى الحلول الموقتة والجرجرة الحاصلة، ويؤكد استعداده للمشاركة في اي خطة حكومية واضحة لرد الودائع، ويكشف انه باتت لديه القدرة على القيام بذلك ضمن خطة محددة. ويلفته الحديث المستمر عن شطب الفوائد العالية الناتجة عن الهندسات المالية والبالغة 9 مليارات دولار، أو الكلام عن دَين الدولة لدى "المركزي" بقيمة 16،5 مليار دولار، أو التعبير المتداول عن ودائع مشروعة وأخرى غير مشروعة. ويقول ان التعبير غير صحيح والسليم هو دعوة كل من يريد استرداد وديعته الى ان يرفع السرية المصرفية عن حساباته فيتبين حينذاك مصدر الاموال، ولكن هذا يتطلب قانوناً لرفع السرية عمن يريد. 

في رأيه، رحلة رد الودائع يمكن ان تبدأ خلال ثلاثة اشهر كحد أقصى. ويدرجها ضمن جدولة تبدأ بإصدار قانون رفع السرية، منح حوافز وإعفاءات لمن لم يسدد ضرائبه، إلغاء الفوائد الناتجة عن الهندسات المالية، التدقيق في المستفيدين من صيرفة وعددهم 450 الف مستفيد، اعادة اموال البلديات والجمعيات والنقابات بهدف تحفيز الاقتصاد. واخيراً تأمين الأسس للأثر الاجتماعي.