من الصحف

"حزب الله" والورقة الفرنسية: الالتزام بحدود الرد الرسمي

الاحداث- كتب ابراهيم بيرم في صحيفة النهار يقول:"في الوقت الذي كان ساريا ان لبنان الرسمي يأخذ وقته ليعدّ رده الرسمي والنهائي على #الورقة الفرنسية الثانية المعدلة، والتي بعثت بها باريس الى بيروت عبر سفارتها فيها، انفاذا لتوجه ديبلوماسي عندها يقضي بانهاء التوتر القائم على #الحدود الجنوبية اللبنانية مع اسرائيل عبر ترتيبات امنية قسّمتها تلك الورقة على ثلاث مراحل، كان "#حزب الله" "يجمد مفعول" تلك الورقة واستطرادا اندفاعة باريس الديبلوماسية التي تبدو مستعجلة وفي سباق مع الوقت لتسجيل علامة فارقة في وضعٍ تدرك هي انه متوتر للغاية وعصيّ على مبادرات التهدئة.
خطوة الحزب هذه أتت مقتضبة ومهذبة في الوقت عينه، فهي وردت على لسان احد نوابه ايهاب حمادة خلال مناسبة حزبية في البقاع حيث قال: "إن كل كلام عن واقع الجنوب وعن مستقبل الوضع فيه هو كلام لا يقبل النقاش من جانبنا ولا تعليق عندنا الى ان تضع الحرب على غزة اوزارها على نحو كامل".

للوهلة الاولى لا يبدو هذاالموقف جديدا، فهو بات لازمة في خطاب الحزب منذ الطلائع الاولى للحراك الديبلوماسي الدولي الذي انصبّ على مسألة واحدة هي فصل الجبهة اللبنانية عن جبهة غزة. ومعلوم انه في ذاك الحين البعيد نال الحزب "غطاء وبركة" على توجهه هذا من جانب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الذي قال، وكانت المواجهات في بداياتها: "لا تحدثونا عن اي تهدئة على الحدود الجنوبية ما دامت الحرب على غزة وقطاعها مستمرة". 

ومع هذا كله فان المبادرات الديبلوماسية الدولية لم تتوقف باتجاه لبنان، وكان في صدارتها المبادرة الاميركية وحاملها الموفد آموس هوكشتاين اضافة الى المبادرة الفرنسية التي كثر حاملوها.

وبحسب مصادر على صلة بالثنائي الشيعي، فان الاميركيين بدوا مع أخر زيارة لهوكشتاين الى بيروت وكأنهم اقتنعوا بأمرين: 

الاول، ان لا مجال للبحث الجدي في اي وقف للنار على الحدود الجنوبية مادام الوضع في غزة على اشتعاله، لذا فلا ضير في تجميد كل الجهود توفيرا للوقت.

الثاني، ان الديبلوماسية الاميركية بدت مطمئنة الى ان دورها في اي ترتيبات امنية حدودية في اليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة هو دور مضمون ويحظى بمقبولية عالية من الجانب اللبناني انطلاقا من امرين: الاول، تجربة الترسيم البحري التي انتهت بالاتفاق المعروف بعد مخاض عسير وجهد طويل لم تشأ واشنطن الانزياح عنه.

الثاني، يقين الجانب اللبناني ان واشنطن وحدها القادرة على ممارسة الضغوط على تل ابيب في اي مفاوضات بين البلدين.

ولقد سرى في المحافل الاعلامية في بيروت اخيرا ان ثمة توافقات بنسبة سبعين بالمئة حول مستقبل الوضع على الحدود الجنوبية بين هوكشتاين ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

ومع يقينها بواقع الحال هذا فان باريس ظلت مثابرة على محاولاتها، فبعد ورقة اولى رُفضت بالكامل من الجانب اللبناني باعتبارها "منحازة لاسرائيل" اعدت باريس ورقة ثانية وسلمتها الى بيروت على انها تتضمن تعديلات. وبحسب ما صار معروفا فان هذه الورقة سلمتها السفارة قبل ايام الى المعنيين في بيروت على ان يرد الجانب اللبناني عليها من دون ان يكون ذلك مرهونا بمهلة زمنية معينة.

ومعلوم ايضا ان باريس استبقت تسليم هذه الورقة باستقبالها اللافت لكل من الرئيس ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وتواصلها مع شخصيات اخرى.

وللوهلة الاولى ايضا بدا الجانب اللبناني متفاعلا ومتحمسا في بعض الاحيان حيال هذه الورقة، وقد سارع بري فور تسلمه اياها الى التصريح بانها تنطوي على نقاط ايجابية واخرى لا بد من وضع ملاحظات عليها. وأتبع هذا الكلام بكلام آخر عن لقاء جرى بين موفد بري النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام للحزب حسين الخليل غايته درس تلك الورقة ووضع ملاحظات وردود مشتركة عليها. وفي الوقت عينه سرت معلومات تفيد بان الحزب اخذ قرارا ضمنيا بان لا يتصدى مباشرة للورقة كرافض لمندرجاتها وذلك لاعتبارات عدة ابرزها: 

- ان الحزب لم يشأ ان يظهر بمظهر المعطل للمبادرات الديبلوماسية. لذا فهو استنكف عن ابداء الرفض المطلق لاي مبادرة منذ البداية، لا بل انه كان حريصا على استقبال اي موفد يطرق ابوابه ومنهم الموفد الفرنسي.

- ان الحزب ما زال ملتزما بقرار اخذه سابقا وهو الابقاء على خيوط العلاقة مع باريس مهما حدث لانها البلد الاوروبي الوحيد الذي يجرؤ على التحدث معه مباشرة وصراحة.

- ان الحزب العليم بالتوازنات يعرف تماما ان الوقت ليس وقت تسويات وترتيبات ميدانية، لذا فان الجهود الديبلوماسية التي تبذلها هذه العاصمة او تلك هي بهدف حجز مكان لها عندما يحين موعد المفاوضات الكبرى لانجاز تفاهمات، خصوصا بعد "طوفان الاقصى"، وواقع الحال هذا سيولّد سباقا وتنافسا بين الدول المعنية ويدفعها الى حلبة التصارع فيكون بذلك هامش للمناورة.

ومع ذلك فان الحزب أفهم الجانب الفرنسي عبر قنوات اتصال ان ورقته الثانية المعدلة هي افضل من الورقة الاولى بأمر واحد وهي انها عندما تحدثت عن تراجع قوات الحزب عن الحدود لم تتحدث عن مسافات كما في الورقة الاولى بل تحدثت عن "اعادة تموضع وتنظيم قوات"، وقد اعتبر الحزب ان هذا ينمّ عن اقرار فرنسي بمعادلات الامر الواقع السياسي والميداني التي فرضت نفسها بعد انطلاق عملية "طوفان الاقصى".

ومع ان الحزب مقتنع تماما كما سواه بان مصير كل هذه العروض والمبادرات والاوراق التي وضعتها فرنسا وتبذل جهدا لتسويقها مرهونة بمآلات الوضع الميداني في غزة اولا واخيرا، فان الحزب سجل لباريس اصرارها وحرصها على مقاومة كل الجهود التي يبذلها آخرون بغية إزاحتها من المعادلة اللبنانية واستطرادا من معادلة الاقليم.

والثابت ان الحزب لا يبدي اي اعتراض على الرد الذي سرى ومفاده ان الجهات المعنية في بيروت تضع اللمسات الاخيرة عليه لتسليمه الى قصر الصنوبر، لاسيما بعدما تناهى الى علمه انه ينطوي على امرين اساسيين: 

الاول، ان لبنان متمسك بالقرار الاممي الرقم 1701 والذي دأبت اسرائيل على خرقه آلاف المرات منذ ان وُضع موضع التنفيذ.

والثاني، ان لبنان مستعد للمشاركة في اي صيغ وترتيبات حدودية في اليوم التالي لوقف الحرب على ان تراعي حقوقه.