من الصحف

رئاسة الجمهورية معلّقة على حوار معطّل ... جبهة الجنوب: استبعاد الحل السياسي

الاحداث - كتبت صحيفة الجمهورية تقول:"شيّعت ايران، أمس، في حشد جماهيري كبير، رئيسها ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية الإيرانية حسين امير عبد اللهيان ورفاقهما. فيما لم تنحسر بعد موجة الاسئلة حول السبب الحقيقي لتحطّم الطائرة المروحية التي كانت تقلّهم في طريق عودتهم من اذربيجان الى ايران. حيث لا جواب واضحاً حتى الآن حول ما اذا كانت العوامل المناخية هي التي ادّت الى سقوط الطائرة، او ما اذا كان ناجماً عن عطل فني اصاب الطائرة، أو أنّ سقوطها كان نتيجة عمل تخريبي؟ وفي انتظار ما ستنتهي اليه التحقيقات التي بدأت لجلاء السبب الحقيقي لسقوط المروحية الرئاسية الايرانية، تبقى كل الاحتمالات قائمة وليس في الإمكان إغفال اي منها.

أنظار العالم أجمع منصّبة بحذر بالغ على رصد ارتدادات هذا الحدث، وحجم تداعياته سواءً في الداخل الايراني او خارجه، وخصوصاً مع توالي التقارير الدولية بأنّ وفاة رئيسي تضع ايران امام مفترق طرق، فيما برز في هذا السياق موقف اميركي لافت، عبّر عنه وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن، حيث قال في جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس: «انّ الشعب الايراني اصبح بوضع أفضل بعد موت رئيسي». واصفاً تنكيس الاعلام في الامم المتحدة حداداً على الرئيس الايراني بـ»الامر المخجل». وكان صريحاً في قوله: «بالتأكيد لسنا حزينين على وفاته». ورداً على سؤال قال: «أعربنا (كوزارة للخارجية الاميركية) عن تعازينا الرسمية، ونحن نفعل ذلك عندما تفقد الدول قادتها سواءً اكانوا اعداء او لا».

ماذا ستفعل «الخماسية»؟

سياسياً، لا شيء يؤشر إلى احتمال حدوث خرق رئاسي في المدى المنظور، وعلى ما يقول مسؤول كبير رداً على سؤال لـ»الجمهورية» عمّا اذا كان ثمة حراك جدّي لحسم الملف الرئاسي: «قطعاً لا. واعود واقول انّه بالحوار ننتخب الرئيس غداً، وتعطيل هذا الحوار سيرحّل رئاسة الجمهورية اشهراً وربماا كثر».

وإذ قارب بإيجابية حراك اللجنة الخماسية، وسائر الحراكات التي تلاقيها، قال: «كل ما احاط بالملف الرئاسي من حراكات واستطلاعات ولقاءات، لا يعدو أكثر من لف ودوران فارغ حول هذا الاستحقاق، لن يوصلا بالنتيجة الى أي مكان». وأقصى ما نتج من تلك الحراكات، أكانت فرنسية او أميركية أو قطرية أو خماسية، أنّها خرقت فقط الفراغ السياسي.

وقدّر البيان الاخير للجنة الخماسية الذي حدّد بوضوح خريطة طريق الحل الرئاسي، وقال: «الخماسية تسعى مشكورة، والرئيس بري اكّد لسفرائها اكثر من مرّة بأننا نشكركم على جهودكم ونريد منكم ان تساعدونا على ان ننتخب رئيس الجمهورية الذي نختاره نحن اللبنانيين، وليس انتم. ولكم كما نلاحظ جميعاً انّ العقدة تتجلّى في لبنان، وفي رفض بعض الاطراف سلوك الطريق الإلزامي لانتخاب رئيس للجمهورية عبر الدخول سريعاً إن لم يكن فوراً في حوار للتوافق على مرشح او مرشحين، لننزل بعدها الى جلسة الانتخاب في مجلس النواب».
 

ولم ينف المسؤول احتمال ان تتابع اللجنة الخماسية مسعاها، الّا انّه قال انّ «بيانها الأخير شكّل خلاصة لكل حراكاتها، ولا اعتقد في هذه الاجواء ان يكون لدى اللجنة ما أكثر وضوحاً من هذا البيان الذي يركّز على الحوار والتشاور. اعتقد انّ اللجنة قالت كلمتها، ورمت المسؤولية الى مكانها الطبيعي، اي إلى اللبنانيين الذين عليهم ان يحسموا قرارهم إن كانوا يريدون انتخاب رئيس ام لا. وانا حتى يثبت العكس، اقرأ في مواقف رافضي الحوار، انّهم لا يريدون دولة، ولا يريدون إعادة انتظام الحياة السياسية في هذا البلد المتوقفة على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، يريدون فقط استمرار الأزمة وكل هذا الهريان في كل مفاصل الدولة واداراتها ومؤسساتها، وخوفي الكبير أن يكونوا يراهنون على متغيّرات، ربطاً بأحداث المنطقة، فإن صح ذلك فذلك يعني مخاطرة ومغامرة غبية».
بري: أترأس الحوار
الى ذلك، أعاد الرئيس بري التأكيد عبر «الجمهورية» انّ الحوار الرئاسي او التشاور او اي مرادف لهما، يؤمّن التقاء الاطراف على الطاولة، هو المعبر الالزامي والوحيد لانتخاب رئيس الجمهورية. وقال: «دون هذا الحوار وضمن لا تزيد عن فترة اسبوع واحد، وقد نتفق في يوم او يومين، سنبقى نراوح مكاننا».

ورداً على سؤال قال بري: «لست انا من سيدعو الى الحوار، بل انّ الدعوات ستتولاها الامانة العامة لمجلس النواب. وفي حال انعقد الحوار فمن الطبيعي جداً أن أترأسه».
في السياق ذاته، استغربت مصادر نيابية ما سمّتها الحملة غير المبرّرة على الحوار وترؤس بري لهذا الحوار، وقالت لـ«الجمهورية»: «رفض الحوار يعني رفض انتخاب الرئيس، كما انّ رفض ترؤس رئيس المجلس للحوار، ليس بريئاً، كونه يستبطن محاولة، حتى لا نقول إساءة، لتجاوز موقع رئيس المجلس، في ترؤس جلسة حوار تجري في المؤسسة التي يرأسها، فهؤلاء بموقفهم هذا يلامسون المحظور، حيث انّ المؤسف انّ البلد بلا رئيس للجمهورية، ورئيس الحكومة هو رئيس حكومة تصريف اعمال، ولا يبقى سوى رئيس واحد يتمتع بكامل شرعيته وصلاحياته الدستورية والمجلسية، هو رئيس مجلس النواب، ومع ذلك يريدون ان يتجاوزوه ويلغوا وجوده. أقل ما يُقال في هذا الامر سوى انه امر معيب».
رصد في اتجاهين
من جهة ثانية، لم يصرف الحدث الإيراني على اهميته وحساسيته، الاهتمام الدولي عن الحدث الأخطر في غزة، وما يتولّد عنه من وقائع تتدحرج بوتيرة متسارعة على ساحة المنطقة، تعزز الخشية من تداعيات واسعة. فالميدان الحربي مفتوح من دون أفق لتسوية او هدنة في المدى المنظور، واما على الجانب السياسي فتتبدّى خطوات ومبادرات غير مسبوقة تجلّت في الساعات الاخيرة باعتراف اسبانيا وايرلندا والنروج بدولة فلسطينية، وهو الأمر الذي أغضب اسرائيل. ولا تقلّ عن ذلك مبادرة النروج كأول دولة تبدي استعدادها لاعتقال رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، في اعقاب اعلان مدّعي عام المحكمة الجنائية الدولية التوجّه الى اصدار امر اعتقال بحق نتنياهو، أدرجه الاعلام الاسرائيلي بأنّه قد يُدخل اسرائيل في وضع صعب وسيئ.
الحل السياسي!
وإذا كان لبنان الذي شارك رسمياً في مراسم تشييع الرئيس الايراني ورفاقه، عبر وفد برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإنّه ليس بعيداً من تداعيات المنطقة. بل يتقلّب على جمر الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة منذ 8 أشهر، ومعاناته من خاصرته الجنوبية تتفاقم في ظل تصاعد المواجهات بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي، وانسداد افق

الحلول الجدّية الرامية الى إعادة الامن والاستقرار الى المنطقة الجنوبية.
والواضح في هذا السياق، هو السباق القائم بين الوقائع العسكرية التي تصاعدت بشكل ملحوظ في الايام الاخيرة، والجهود التي تقودها باريس لبلورة حلّ سياسي يوقف التصعيد. وفي هذا الإطار قالت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية لـ»الجمهورية»، انّ المسعى الفرنسي مستمر، وملف لبنان كان في صلب المحادثات التي اجراها وزير الخارجية الاسرائيلية يسرائيل كاتس في باريس مع نظيره الفرنسي ستيفان سيجورنيه، من دون ان تضيف المصادر أي تفصيل آخر.

ورداً على سؤال تجنّبت المصادر الحديث عن ايجابيات او سلبيات، واكتفت بالقول: «ثمة افكار جديدة قيد البحث. وصولاً الى حل سياسي يراعي مصلحة كل الاطراف».
الّا انّ مصادر مواكبة للحراكات السياسية القت على المسعى الفرنسي ظلالاً من الشك من إمكان تحقيق المراد منه، وخصوصاً انّ ورقة الحل الفرنسية، وبمعزل عن الموقف الاسرائيلي منها، قوبلت بالرفض من الجانب اللبناني، الذي قرأ فيها حلًا يراعي مصلحة اسرائيل، ويرى انّ الهدوء والاستقرار في المنطقة الحدودية مرهون بإجراءات أحادية من الجانب اللبناني، دون ان يلزم الجانب الاسرائيلي بأي اجراءات او خطوات مماثلة.

يُضاف الى ذلك، تضيف المصادر، انّ المسعى الفرنسي الذي تحاول باريس تمريره، يُخشى ان يتعرّض لانتكاسة جديدة، وهذه المرّة من الجانب الاسرائيلي، وبصورة شديدة الحدّة، وخصوصاً بعد التحوّل الملحوظ في الموقف الفرنسي، الذي تدرّج من تأييد كامل لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد عملية «حماس» في 7 تشرين الاول الماضي، الى دعم تحرّك المحكمة الجنائية الدولية ضدّ رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت. علماً انّ الموقف الفرنسي المؤيّد لاعتقال قادة «حماس» هو تحصيل حاصل. فهل في تحوّل من هذا القبيل، ان تستجيب اسرائيل لأي مسعى تقوم به باريس. فضلاً عن انّها سارعت على لسان وزير خارجيتها الى مطالبة فرنسا بالتنديد بطلبات الجنائية الدولية.

ولفتت المصادر الى انّ هذا التحوّل قد يتدرّج الى امور اخرى، فباريس توحي انّها لا تمانع الاعتراف بدولة فلسطينية، على ان يتمّ ذلك في توقيت مناسب، وهذا ما عكسه موقف وزير الخارجية الفرنسية رداً على سؤال حول اعتراف ثلاث دول اوروبية بدولة فلسطينية، حيث قال ما مفاده انّ الاعتراف بدولة فلسطينية ليس من المحظورات، بل انّ الوقت المناسب لم يحن بعد. طبعاً هذا الموقف لا يريح اسرائيل.

تقرير واقعي
إلى ذلك، علمت «الجمهورية» من مصادر موثوقة، انّ الملف الجنوبي، اضافة الى حركة المساعي الرامية الى حل سياسي على جانبي الحدود، كانت في الفترة الاخيرة، مدار بحث بين مسؤولين رسميين وبين مسؤول غير مدني اوروبي رفيع.
وبحسب المعلومات، فإنّ الموقف اللبناني تكرّر في هذا اللقاء، لناحية الالتزام الكامل بكل مندرجات القرار 1701، وانّ تطبيق هذا الاتفاق بحذافيره من قبل كل الاطراف، وتحديداً من قِبل اسرائيل، يغني عن اي مشاريع اخرى. الّا انّ ما لفت الانتباه كانت الملاحظات التي أبداها المسؤول الاوروبي، حيث أكّد بداية على انّ التفاهمات التي سعت باريس وواشنطن الى بلورتها، وحدها تثبت الأمن والاستقرار على جانبي الحدود، وتمكن النازحين من العودة الى بيوتهم، وتمنع انزلاق جبهة لبنان الى حرب او مواجهات واسعة. الّا انّه عبّر عن خشية بالغة من ارتفاع التصعيد على الجبهة، وهو أمر من شأنه أن يبقي باب الانزلاق الى وضع اخطر، تبعاً لخطأ في الحساب او التقدير.

وتجنّب المسؤول عينه تحديد مواعيد ولو تقريبية لانتهاء الحرب، وقال: «لا يبدو في الأفق ما يؤشر الى انفراجات، بل على العكس رأينا فشلاً واضحاً في تحقيق هدنة في غزة. وما نسمعه من مواقف يؤشر الى منحى تصاعدي».
وعمّا اذا كان وضع جبهة جنوب لبنان يقع ضمن المنحى التصاعدي، قال ما حرفيته: «نحن على تأكيدنا الدائم بأنّ المواجهات القائمة (على جانبي الحدود) يجب ان تتوقف، وفي ذلك مصلحة للطرفين اللبناني والاسرائيلي. ونريد للجيش اللبناني ان ينتشر بفعالية في منطقة عمل القرار 1701».