مال وأعمال

سلام: “الاقتصاد” عدلت قانون حماية المستهلك رغم حداثته

الاحداث - نظّمت لجنة حماية المستهلك في نقابة المحامين في بيروت، بعد ظهر اليوم، محاضرة بعنوان "حماية المستهلك في لبنان بين القانون والواقع"، في قاعة المؤتمرات - بيت المحامي في بيروت.

 

تحدث في المحاضرة وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام ونقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار، بحضور ممثل وزير الصحة العامة فراس الابيض الدكتور عمر الكوش والمدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد حيدر، رئيس الاتحاد الوطني للعمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله، رئيس الشؤون الاقتصادية في غرفة تجارة زحلة والبقاع طوني طعمه، وأعضاء مجلس نقابة المحامين وعدد من الشخصيات الأكاديمية وحشد من المحامين.

 

بعد النشيد الوطني ونشيد نقابة المحامين، تحدث رئيس محاضرات التدرج المحامي الدكتور ألكسندر نجار فأشار إلى أن "مسألة حقوق المستهلك، والمودع هو أيضا مستهلك، تكتسب أهمية خاصة، في ظل الظروف الكارثية التي يعاني منها لبنان حاليا"، وقال: "إن المستهلك هو الضحية الأولى عند انهيار العملة الوطنية وتفشي الاستغلال من قبل التجار والصناعيين وتراجع السلامة الغذائية وارتفاع الأسعار من دون أي معايير علمية أو منطقية".

 

أضاف: "على الدولة ، في هذه الحالات ، اتخاذ التدابير اللازمة لردع هذه الممارسات حماية لحقوق المستهلك الذي يشكل الحلقة الأضعف في المجتمع، وإن كانت الوسائل الآيلة إلى صون حقوقه قد تطورت بشكل ملحوظ".

 

وتابع: "كنا نعاني في الماضي من نقص في القوانين لحماية المستهلك، فكان المستهلك اللبناني مجردا من النصوص القانونية المناسبة لحمايته . أما اليوم ، فصدرت سلسلة من القوانين حول الغش وحماية حقوق المستهلك والسلامة الغذائية والمنافسة بقصد تعزيز موقف المستهلك، إلا أن الممارسة لم تأت على المستوى المطلوب لأسباب عدة ، نذكر منها عدم تطبيق بعض هذه القوانين كما يجب وعدم صدور المراسيم التطبيقية لعدد من المؤسسات كالمجلس الوطني لحماية المستهلك والنقص في المراقبين لدى وزارة الاقتصاد. والنتيجة أن المستهلك اللبناني لا يزال عرضة للاستغلال والتفقير والاستنسابية والتعسف،

مما يذكرنا بقول Milton Friedman الحائز جائزة نوبل في العلوم الإقتصادية لعام 1976:  يطالب بعض الناس بأن تحمي الحكومة المستهلك إلا أن المشكلة الأكبر تكمن في حماية المستهلك من الحكومة".

 

وأردف: "في طبيعة الحال، لم يبق الوزير سلام مكتوف الأيدي أمام الأزمة الحالية، بل حاول ويحاول، لا سيما بواسطة مديرية حماية المستهلك، وبالتعاون مع وزارات الداخلية والصحة والزراعة، مواجهة التحديات بالوسائل المتاحة، وبادر إلى تفعيل المجلس الوطني لسياسة الأسعار الذي من شأنه وضع الإطار الصحيح لضبط أسعار السلع في الأسواق. كما واجه بشجاعة مافيا المولدات ومافيا الأفران، رغم مشكلة التهريب التي ضربت الاقتصاد اللبناني في الصميم وأدت إلى هدر دعم مصرف لبنان".

 

من جهته، قال سلام إنّ "قانون حماية المستهلك يرتبط مباشرة بما يستهلكه الإنسان من سلع وخدمات وبمستوى قدرته الشرائية، مما يوليه أهمية خاصة في كلّ البلدان ويستوجب تفعيله وتحديثه بشكل مستمر لمواكبة حركة السوق من جهة، ولضمان حسن تطبيقه من جهة أخرى، بما يعزز ثقة المستهلكين بمؤسسات الدولة التي بدورها تتولى حماية حقوقهم الاستهلاكية".

 

أضاف: "أمّا العبرة فليست في القانون، بل في التطبيق، رغم حداثة قانون حماية المستهلك اللبناني رقم 659 /2005 ، إلّا انّ تطبيق أحكامه أظهر وجود ثغرات حالت دون تحقيق النتائج التي كانت متوخاة منه لأسباب عدة، الأمر الذي استوجب تحديثه بمشروع قانون أعدته الوزارة، وهي في صدد وضع اللمسات الاخيرة عليه بعد أخذ رأي الجهات المختصة، تمهيداً لإرساله إلى مجلس الوزراء".

 

وتابع: "أهّم الأسباب التي استدعت تعديل قانون حماية المستهلك وكانت سبباً رئيسياً في عدم تحقيق الرقابة الفعالة نختصرها بالعناوين الآتية: 

أولا - ضعف القوة الردعية للقانون: لم يزود قانون حماية المستهلك الحالي مراقبي حماية المستهلك بصلاحية فرض غرامات ادارية مباشرة على مرتكب المخالفة، مما  ادى الى تكرار المخالفات من التجار بشكل كبير، لاسيما أن تطبيق العقوبات الجزائية المنصوص عنها في قانون حماية المستهلك رقم 659/2005 وتعديلاته من قبل المحاكم لم يثبت جدواه  نظرا لانقضاء سنوات عدة لصدور الحكم القضائي بحق المخالف الذي يكون قد نسي الأمر. وازاء ضعف القوة الردعية للقانون، عمدت وزارة الاقتصاد والتجارة بمشروع القانون الجديد إلى تحديث نظام المراقبة المتبع وانشاء نظام الغرامات المالية الادارية الذي يخول هؤلاء المراقبين فرض غرامات فورية على المخالفات  المرتكبة  من دون المساس بدور المحاكم الجزائية التي يعود لها فرض العقوبات الجزائية المنصوص عنها في القانون الحالي. واستحدث مشروع القانون الجديد غرامات ادارية، بدلا من العقوبات الجزائية، بالنسبة للمخالفات البسيطة التي لم تتسبب بالحاق الاذى بالأشخاص او بوفاتهم، والتي يمكن التحقق منها عبر اجراءات التحقيق العادية من دون ضرورة اللجوء إلى المحاكم، مما يخفف من الاعباء الملقاة على عاتقها.

 

ثانيا - تدني قيمة الغرامات المفروضة جزائيا بموجب القانون مقارنة مع المخالفة المرتكبة: فرض قانون حماية المستهلك غرامات جزائية على المخالفات المرتكبة تصل اعلاها الى ثلاثماية مليون ليرة لبنانية أي حوالى ثمانية آلاف دولار أميركي، الامر الذي يعتبره التجار بخسا مقارنة مع الارباح التي يحققونها خلال الفترة الممتدة بين تاريخ ارتكاب المخالفة المعاقب عليها وتاريخ صدور الحكم، أيا  كان نشاطهم التجاري. ولذلك، عمدت الوزارة في مشروعها الجديد إلى رفع قيمة هذه الغرامات عشرة اضعاف للحد من عمليات الغش والخداع المرتكبة".

 

ثالثا - إلحاق الظلم بصغار التجار: وفقا لأحكام قانون حماية المستهلك المطبق حاليا، تم ربط الغرامة المفروضة بنوع المخالفة، الأمر الذي يلحق الظلم بصغار التجار وذوي المخالفات البسيطة ويربك المحاكم بدعاوى ذات قيمة متدنية. لذلك، رأت الوزارة في مشروعها الجديد وجوب تحقيق العدالة على هذا المستوى وربط قيمة الغرامة المفروضة على المخالف بقيمة البضائع المضبوطة لديه، وبالحد الادنى للأجور في بعض الحالات.

 

رابعا - عدم كفاية الموارد البشرية المولجة بالمراقبة: 

وفقا لاحكام قانون حماية المستهلك الحالي، يبلغ عدد المراقبين المنوطة بهم حماية المستهلك ومراقبة الاسواق، 120 مراقبا، الامر الذي يعتبر غير كاف انطلاقا من مهام المراقبة المنوطة بالوزارة والتي هي في  حال ازدياد مستمر كما هي الحال في القانون رقم 81 تاريخ 10/10/2018 (قانون المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي) الذي اناط بهم مراقبة عمليات التجارة الالكترونية وما تتضمنه من وسائل غش يقع المستهلك ضحيتها بسهولة، واما بسبب بروز ازمات اقتصادية واجتماعية وصحية تستوجب قيامهم بمهام غير متوقعة كأزمة الدولار الضاغطة وازمة كورونا وعمليات التهريب وسواها من الاعمال الخارجة عن المألوف الامر الذي لا يمكن تحقيقه من دون جهاز بشري كاف تفتقر اليه الهيكلية الحالية لمديرية حماية المستهلك،  لذلك عمدت الوزارة بمشروعها الجديد الى رفع عدد المراقبين الى 300 مراقب لتغطية كافة الاسواق على الاراضي اللبنانية.

 

خامسا - تعطل عمل لجنة حل النزاعات:

 انشأ قانون حماية المستهلك الحالي لجنة لحل النزاعات الناجمة عن تطبيق وتفسير احكام القانون . وتكمن أهمية هذه المحكمة في أنها الوحيدة الصالحة لتفسير قانون حماية المستهلك وتطبيقه في الخلافات بين المحترفين والمستهلكين، ما عدا الخلافات ذات الطابع الجزائي التي تبقى من صلاحية المحاكم الجزائية المختصة. 

 

كما وتتميز هذه اللجنة بإجراءات التقاضي المميزة كالمهل القصيرة للبت بالنزاع، وعدم توجب الاستعانة بمحام، واستيفاء رسوم قضائية أقل، وفرض غرامة إكراهية حكمية عند التأخر في تنفيذ الأحكام، فضلاً عن تمثل جمعيات حماية المستهلك بعضو فيها، الى جانب قاض تعيّنه وزارة العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، وعضو آخر يمثل غرفة التجارة والصناعة. الا ان هذه المحكمة معطلة حاليا بسبب تدني قيمة التعويضات المخصصة لاعضائها وبسبب ارتفاع اسعار المحروقات التي تحول دون انعقادها اسبوعيا كما كان يحصل في السابق. 

 

سادسا - التدني في قيمة الليرة وارتفاع أسعار المحروقات على عمل المراقبة

ان نشاط مديرية حماية المستهلك وممارسة مهامها يرتكزان بشكل اساسي على النقل والانتقال بهدف مراقبة القطاعات الانتاجية التي تتعاطى الانشطة التجارية في الاسواق اللبنانية،  وانّ كافة المراقبين في مديرية حماية المستهلك وفي مصالح الاقتصاد والتجارة في المحافظات المنوطة بهم اعمال المراقبة يستعملون سياراتهم الخاصة ويتحملون أعباء الانتقال والصيانة والوقود وحوادث السير والتأمين مقابل تعويض انتقال بالداخل لا يتجاوز في حدّه الأقصى مبلغ 200000 ل.ل شهريا" كون احتسابه يتم وفق احكام  المادة 21 من المرسوم رقم 3950 تاريخ 29/4/1960 (أي 195 ل.ل لكل كيلومتر مهما بلغت المسافة) الامر الذي القى على عاتقهم اعباء مادية غير قادرين على تحملها و بات يهدد بتوقف اعمال المراقبة بشكل كامل".

 

وختم: "ازاء هذا الوضع القائم والمستجد تعمل الوزارة بشكل دؤوب مع كافة الجهات المعنية، لا سيما وزارتي العدل والمالية، على اعادة تفعيل عمل لجنة حلّ النزاعات وتحسين أوضاع المراقبين بما يضمن رقابة فعالة نحن بأمس الحاجة اليها في ظل هذه الفوضى في الاسواق، آملين من نقابتكم الموقرة التعاون مع الوزارة قدر الإمكان لتمكين المستهلك اللبناني من الحصول على حقوقه بالكامل ولتحقيق التطبيق الامثل للقانون".

 

ثمّ القى النقيب كسبار كلمة قال فيها: "يوم اطلقت عشرات اللجان في نقابة المحامين، لم ينتقد "الفايسبوكيون" إلا وجود لجنة واحدة هي لجنة حماية المستهلك، عندما سأل أحدهم: "وماذا تفعل هذه اللجنة"؟. وجاءه الجواب عندما بدأ رئيسها الأستاذ عباس صفا والأعضاء بالعمل، واتصل بنا قضاة أعزاء طالبين تحريك الملفات المتوقفة أمام المحاكم بسبب عدم المتابعة. ومما زاد في قناعتنا، سلسلة الإجتماعات التي عقدتها اللجنة واللقاءات مع معالي الوزير أمين سلام وسعادة المدير العام محمد أبو حيدر. ومشروع القانون الرامي إلى تعديل بعض النصوص. وقد وضعت اللجنة ملاحظاتها على مشروع التعديل المقدّم من وزارة الاقتصاد".

 

أضاف إنّ "قانون حماية المستهلك هو من أهمّ القوانين في لبنان. وهو يرمي إلى المحافظة على صحة وسلامة المستهلك. ويرمي إلى تقديم أفضل السلع والخدمات. وحماية المستهلك من الغش والخداع والاستغلال. هذا في القانون. أما في الواقع، فللأسف لا ضمير ولا خوف من الملاحقة، واستهتار واستلشاق من قبل بعض التجار الذين يبيعون البضاعة الفاسدة والمنتهية الصلاحية، وبأسعار باهظة تحت أوجه عدّة ومنها سبب تقلّب الأسعار فيستفيدون "عالطالع والنازل" من دون حسيب أو رقيب. وما زاد في الطين بلّة، عدم قدرة الوزارة على تغطية كافة المناطق اللبنانية، وهو أمر طبيعي في ظلّ تكاثر "السوبر ماركت" والمحلات التجارية وغيرها وغيرها".

 

وختم: "من هنا يقتضي إعمال المثل القائل: " كلّ مواطن خفير"، فيبلغ عن حالات الغش، والبضاعة الفاسدة والمنتهية الصلاحية. ولكن لمن؟. لجهاز فعّال نقترح إنشاءه في الوزارة، يلاحق بكل صرامة ودقة من دون الالتفاف إلى المحسوبيات أو الرشى أو الضغط من أيّ جهة كانت. وإلّا سوف نبقى في هذه الدوامة من الفساد، في بلد يستلشق مسؤولوه بالمواطن، وبلقمة عيشه، غير آبهين بأمنه، وتفجير المرفأ خير دليل، والمسلحون يتنقلون بأسلحة ظاهرة وفي سيارات عادية و"مفيّمة"، وعدد الدراجات النارية بات يفوق عدد السيارات حيث الفقر في كلّ مكان، ومعظم المواطنين ينتقدون ويسخرون على "الفايسبوك" من دون أيّ تحرّك جدي".

 

ثمّ كانت كلمة رئيس لجنة حماية المستهلك في نقابة المحامين المحامي عباس صفا الذي شرح فيها "قانون حماية المستهلك رقم 659 الذي صدر في العام 2005 والتعديلات التي أدخلت عليه" مسلّطاً الضوء على "الثغرات الموجودة في القانون" عارضاً نصوصاً بديلة "لسدّ هذه الثغرات".

 

وتحدّث عن "وضع المستهلك على أرض الواقع"، فأشار إلى "تسلط أصحاب المولدات وارتكابهم مخالفات منصوص عنها في قانون حماية المستهلك لو طبقت لزجّ بهم في السجون"، متهماً "المستوردين للسلع باستغلال المستهلك أبشع استغلال وهم من قطع بعض السلع من السوق للتحكم بالأسعار رغم أن الشراء كان بأموال الناس التي أعطيت لهم تحت عنوان دعم السلع . ولم تكن السوبر ماركت بأفضل حال فكانت تتلاعب بالأسعار كما يحلو لها دون حسيب أو رقيب".

 

وتكلّم عن تجارة اللحوم فأكّد أنّه "إذا سمح لأصحاب الملاحم أن يقوموا بعملية ذبح المواشي مباشرة لإنخفض السعر على الأقلّ 75000 ليرة لبنانية، وأنّه لو سمح باستيراد الدواجن والبيض لانخفضت الأسعار بمقدار النصف".  وقال أنّ "المستهلك في لبنان غير محمي، وقد تبين للناس أن من كانوا يظنون أنّه حام لهم من أنياب الذئاب هم الذئاب الحقيقية".

 

وأضاف أنّ "الشعب اللبناني موزع على مدرستين، الأولى تؤمن بمقولة الرعية على دين ملوكها، ولأنّ ملوك الوطن في هذا الزمن فاسدون، فإنّ رعاياهم أكثر فساداً منهم. والمدرسة الثانية تؤمن بمقولة "كما تكونوا يولى عليكم"، فعندما تكون الرعية مؤمنة بوطنها وبالقيم والأخلاق لا يمكن أن تولي عليها إلا من يشبهها".

 

وختم: "ملوك المدرسة الأولى دمّروا العملة الوطنية لتجعل أولادنا يعتقدون أنّه لا خلاص لهم إلّا بترك الوطن، غير أننا نقول لهم بشكل حازم وجازم أننا وأولادنا خلاصنا الوحيد هو التمسك بوطننا الذي لا بديل عنه وأقسم أننا سنبقى ندافع عنه ...وأن لبنان لن يموت".