الاحداث- كتب سمير سكاف*
يعبر الأوروبيون بشدة في هذه الأيام عن تخوفهم من الدرونات الروسية!
ولكن المشكلة هي أن الناتو كشف أنه غير مجهز للدخول في حرب "متطورة" مع روسيا! فالدفاعات الأوروبية فائقة التكلفة مالياً!
وإذا كان الناتو لم يتحرك جدياً نتيجة الأحداث الأخيرة، وهو لم يتخذ قرارات دفاعية واضحة، فإن رومانيا وبولندا تقوم بتنشيط حركة طيرانها العسكري لمراقبة الدرونات الروسية التي يمكن أن تقتحم مجالها الجوي.
وذلك، بعد تسجيل رومانيا دخول درون روسي أجواءها لحوالى 50 دقيقة قبل أن يخرج منها من جديد. في حين أن بولندا كانت قد سجلت قبلها بأيام دخول حوالى 19 درون روسي الى أجوائها!
وقد سارع رئيس أوكرانيا فلودومور زيلينسكي للقول إن الدرونات الروسية دقيقة في مسارها وفي بلوغ أهدافها!
ويحاول زيلينسكي بمقولته هذه الضغط على قادة أوروبا وقادة الناتو لتفعيل دفاع جوي مشترك لأجواء أوكرانيا يصل الى ما أصبح يُعرف ب "سكاي شيلد"!
في هذه الأثناء، الجيش الأوكراني يهاجم مصفاة كيريشي الروسية، وروسيا تستعمل صاروخ فرط صوتي بحري في مناورات زاباد. وهي أعلنت عن رفض بولندا التحاور بشأن الدرونات الروسية التي دخلت أراضيها.
*دفاع عالي التكلفة يعني لا دفاع!*
الحرب هي المال! وأوروبا تعاني مالياً!
فقد بلغت تكلفة اعتراض الطائرات المسيّرة في بولندا أرقاماً تعتبر مرتفعة جداً... جداً!
وهو ما يعني بحسب مسؤولي الناتو أن أوروبا ليست جاهزة لصد هجمات درونات روسية، إذا ما أمطرتها بالمئات منها بوقت واحد!
إذ تشير التقديرات إلى أن تكلفة إسقاط كل طائرة مسيّرة روسية باستخدام مقاتلات الناتو من طراز F-35 وصواريخ AIM-9 Sidewinder بلغت 400,000 يورو على الأقل.
الناتو ناقش هذه التكلفة المرتفعة على نطاق واسع باعتبارها قضية "عالية التكلفة". فإذا كانت قيمة الطائرات المسيّرة نفسها لا تتجاوز بضعة آلاف من الدولارات، فإن ذلك يخلق تفاوتاً مالياً كبيراً بين الدفاع والهجوم.
وقد أبرز الحادث حاجة الناتو ودوله الأعضاء إلى تطوير تدابير مضادة أكثر فعالية من حيث التكلفة، ومستدامة، للتهديدات التي تشكلها الطائرات المسيّرة المنخفضة التكلفة.
*أوكرانيا وروسيا الأكثر تطوراً في الدرونات!*
إن دولاً أوروبية عدة مثل بولندا، هولندا، ألمانيا والدانمارك... تقدمت بطلبات لشراء درونات دفاعية من... أوكرانيا!
هذا في حين تسعى كل من بريطانيا وفرنسا للتعاون مع أوكرانيا لتطوير الدرونات الدفاعية!
إذ تُعتبر أوكرانيا، وروسيا بالتأكيد، من الأفضل عالمياً في هذا المجال بحكم تطويرهما لهذه الصناعات خلال سنوات الحرب الأخيرة.
ويقول الرئيس زيلينسكي أن قدرة أوكرانيا على انتاج الدرونات تصل الى 8 مليون درون في السنة!
*سباق عالمي مخيف للتسلح!*
بولندا تتخوف من درونات روسية جديدة! ولذلك هي تتسلح بسرعة، وتشتري السلاح بكثافة من الولايات المتحدة.
الدانمارك تشتري أسلحة دفاع جوي فرنكو - ايطالية، للدفاع ضد الصواريخ الباليستية. وليس بطاريات باتريوت الأميركية، بسبب أطماع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في جزيرة غرينلاند... الدانمركية.
ولكن الدانمارك ستشتري طائرات F35 من الولايات المتحدة في النهاية، عما قريب!
دوروتي شييا، سفيرة الولايات المتحدة في المتحدة أكدت أن بلادها تدعم الناتو في التطورات الأخيرة. وهي ستدافع عن كل سم من أراضي الناتو!
حتى أوستراليا، تستثمر 12 مليار دولار في غواصات بحرية صغيرة من دون بحارة فائقة الفعالية.
*مناورات عسكرية دولية!*
في هذه الأثناء، بيلاروسيا وروسيا تتعاونان في مناورات زاباد البرية والبحرية والجوية لمدة 4 أيام!
في حين أن كوريا الشمالية تعتبر المناورات الأميركية - اليابانية - الكورية الجنوبية تهديداً لها!
فهل هناك تنسيق ما في التوقيت بين هذه المناورات بين الرئيسين ترامب وبوتين؟!
*عقوبات ضد روسيا لا قيمة لها... يريدون معاقبتها، ويشترون منها الغاز!*
فرنسا والمجر وسلوفاكيا وتركيا... ما تزال تشتري الغاز الروسي!
ويحاول الرئيس دونالد ترامب الضغط على الأوروبيين لوقف شراء هذا الغاز الروسي. ويعتبر مطالبتهم بعقوبات اقتصادية على روسيا غير جدية إذا ما استمروا بشراء هذا الغاز؟
ترامب يريد من الأوروبيين شراء الغاز الأميركي بسعر يوازي 4 أضعاف سعر الغاز الروسي! انتاج أميركي مع كوارث بيئية، في حين يرفض الأوروبيون انتاجاً مماثلاً خاصاً بهم بسببها!
وإذا كان الأوروبيون يبحثون عن حلول بديلة، إلا أن تركيا بالتأكيد لن تتخلى عن الغاز الروسي!
*الاتفاق الاقتصادي الأميركي - الروسي!*
يريد الرئيس ترامب بعد قمة ألاسكا التوصل الى اتفاق اقتصادي مع روسيا، ولكنه حالياً "مع وقف التنفيذ"!
إذ أن الرئيس ترامب محرج للذهاب الى هذا الاتفاق أمام مجريات الأحداث الميدانية!
إلا أن الرئيس ترامب قد رفع عقوبات عن بيلاروسيا! وهو ما قد يكون رفع عقوبات مقنع عن روسيا نفسها! باعتبار أن بيلاروسيا قد تكون الوسيط بين الرئيسين ترامب وبوتين.
علماّ أن الصين والهند وتركيا... هي قنوات اقتصادية تجعل من حصار روسيا اقتصادياً مستحيلاً! وتجعل من العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية على روسيا من دون جدوى!
*أوروبا الهشة سياسياً واقتصادياً تفعّل "الحارس الشرقي'!*
يخيف مارك روته الأمين العام لحلف الأطلسي أوروبا من الصواريخ الروسية، والتي يقول إنها يمكن أن تصل بسرعة الى لندن ومدريد بسرعة تفوق سرعة الصوت بخمسة أصعاف!
وهو يعلن عن تفعيل ما أسماه "الحارس الشرقي" بتمويل فرنسي - بريطاني - ألماني - دانمركي بشكل أساسي!
أوروبا ليست موحدة. والتطرف فيها هو الغالب. وهو يعطي المتطرفون نصراً كبيراً في الانتخابات النيابية في عدد من دولها، أبرزها بريطانيا!
وينظر الأوروبيون بقلق الى نجاح تحرك تومي روبنسون الهائل! وروبنسون الذي يُصنف باليميني المتطرف يقود في بريطانيا "ثورة" ضد الهجرة غير الشرعية. وهو أبهر الأوروببيين بنجاح تظاهرة عملاقة في لندن ضمت 150.000 شخص!
السباق الى التسلح هو انزلاق فائق الخطورة. وهو يرفع من منسوب مخاطر المواجهات العسكرية في مختلف بقع العالم.
فالاستثمارات في التسلح بمليارات الدولارات تمنع الاستجابة لمشاكل العالم من فقر وتعدٍ على البيئة والتغير المناخي...
كلما اقترب الحل في الحرب الروسية - الأوكرانية، كما في قمة ألاسكا، يحدث تراجع ميداني!
وإذا كانت المؤشرات الأساسية توحي أن هذه الحرب يمكن أن تنتهي العام المقبل، إلا أن احتمالات استمرارها، من دون جدوى، ومن دون أهداف واضحة، يستهلك ويستنرف طاقات أوروبا بشكل كبير.
وهو ما يستمر بالانعكاس مالياً واقتصادياً واجتماعياً عليها. وخاصةً على الأقوى منها، وهي بريطانيا وفرنسا. وهي الدول النووية الوحيدة فيها!
فرنسا تقترب من الافلاس بسقف 4 تريليون يورو من الدين العام. وبريطانيا قد تشهد زلزالاً سياسياً في الانتخابات التشريعية المقبلة!
سماء أوروبا متلبدة، وسماء العالم بأسره أيضاً! وحدها الدرونات قد تتفوق في أجوائها على... الطيور!
* كاتب وخبير في الشؤون الدولية