Search Icon

التحوّل نحو الأصول الحقيقية في عالم تتآكل فيه العملات الورقية

منذ 12 ساعة

مال وأعمال

التحوّل نحو الأصول الحقيقية في عالم تتآكل فيه العملات الورقية

الاحداث- كتبت ليلى خوري

يشهد الاقتصاد العالمي مرحلة دقيقة تتّسم بارتفاع معدلات التضخم وتراجع الثقة في العملات الورقية، ما يدفع المستثمرين حول العالم إلى إعادة النظر في وجهة استثماراتهم. وفي ظل هذا الواقع المتقلب، يبرز اتجاه واضح نحو الأصول الحقيقية كالذهب والفضة والعقارات والعملات المشفّرة، بوصفها ملاذات آمنة في مواجهة تآكل القوة الشرائية للنقود التقليدية.

تآكل العملات الورقية وتحوّل وجهة المستثمرين

تشهد الأسواق ما يُعرف اليوم بظاهرة “تآكل العملات الورقية”، حيث ترتفع أسعار الذهب والفضة والبيتكوين بشكل متوازٍ مع ازدياد القلق من فقدان العملات الرسمية قيمتها. ويُعزى هذا الاتجاه إلى تراكم الديون السيادية، والسياسات النقدية التوسعية التي تبنّتها البنوك المركزية خلال الأعوام الماضية، ما ضاعف حجم السيولة وضغط على قيمة العملات.

ففي آسيا، تراجع الين الياباني بعد ترشيح النائبة ساناي تاكايتشي، المعروفة بميلها إلى سياسات التحفيز المالي، لتولّي رئاسة الحكومة، ما أثار مخاوف من مزيد من التيسير النقدي. أما في الولايات المتحدة، فيواصل الدولار الأميركي التراجع، إذ خسر نحو 30% من قيمته أمام البيتكوين منذ مطلع العام، في ظل استمرار الإغلاق الحكومي وتعقّد المشهد المالي والسياسي. كما لم يسلم اليورو من الضغوط، مع عودة حالة عدم اليقين السياسي في فرنسا إلى الواجهة.

بيتكوين تقيس التراجع الحقيقي للأسواق

على الرغم من ارتفاع مؤشر S&P 500 بأكثر من الضعف منذ عام 2020 بالقيمة الاسمية، إلا أن قياسه مقابل البيتكوين يكشف وجهًا آخر للحقيقة. فعند مقارنته بهذه العملة الرقمية التي تُعتبر “أصلًا صلبًا” في نظر كثير من المستثمرين، فقد المؤشر نحو 88% من قيمته، ما يعكس التراجع الفعلي لقيمة الأصول المالية عند احتسابها بوحدات ذات ندرة محدودة.

تضخم المعروض النقدي العالمي

تُظهر البيانات أن حجم المعروض النقدي العالمي ارتفع من نحو 26 تريليون دولار في عام 2000 إلى حوالى 140 تريليون دولار في تموز 2025، أي بمعدل نمو سنوي مركّب يقارب 6.9%.

وقد شهدت الفترة بين شباط 2020 وشباط 2022 أعلى وتيرة زيادة على الإطلاق، إذ قفز المعروض النقدي بنسبة 25% خلال عامين فقط نتيجة حزم التحفيز المالي الضخمة التي أطلقتها الحكومات لمواجهة جائحة كورونا، قبل أن يتباطأ النمو إلى 1.4% سنويًا بين 2021 و2024. وكان هذا التوسع النقدي مدفوعًا أساسًا من الولايات المتحدة والصين، ما عزز المخاوف من تضخم دائم وتراجع الثقة في النقود الورقية.

الذكاء الاصطناعي يستهلك الطاقة… 

في موازاة ذلك، لا يقتصر التحوّل العالمي على المجال المالي فحسب، إذ تبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي كلاعب أساسي في المشهد الاقتصادي الجديد. فهذه التقنيات لا تهيمن على العالم الرقمي فقط، بل باتت تستهلك كميات هائلة من الطاقة، وسط توقعات بأن يرتفع الطلب على الكهرباء بوتيرة تفوق قدرة العديد من شبكات الطاقة على التحمل.

هذا الواقع قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الاستثمارات في الطاقة المتجددة والبنى التحتية الذكية، لكنه في الوقت نفسه يعمّق التحديات المرتبطة بتكلفة الإنتاج والتضخم الهيكلي.

يقف العالم اليوم أمام معادلة حساسة: نقود تفقد قيمتها، وأصول تزداد ندرتها. وفي ظل هذا التحوّل، تبدو الأصول الحقيقية — من المعادن الثمينة إلى العملات المشفّرة والطاقة — وكأنها تعيد رسم خريطة الثروة العالمية.

يبقى السؤال المطروح: هل يشهد العالم بداية نهاية عهد العملات الورقية كما نعرفها، أم أن النظام المالي التقليدي سيجد مجددًا طريقه إلى التوازن قبل أن تتكرّس هذه الموجة التحولية الكبرى؟