Search Icon

بأي معايير تقاس خطوة إلغاء زيارة قائد الجيش الى واشنطن؟

منذ ساعتين

من الصحف

بأي معايير تقاس خطوة إلغاء زيارة قائد الجيش الى واشنطن؟

الاحداث - كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"لن يتوقف الحديث قريباً عن إلغاء زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل لواشنطن وتداعياته المختلفة، أياً كانت الجهة التي اتخذت القرار بمبادرة منه أو من واشنطن. ذلك انّ السيناريوهات التي تحاكيها ويمكن احتسابها، متعددة الوجوه والمصادر. وفي مقابل ما أثارته من استغراب، هناك مؤشرات كافية لاعتبارها خطوة متوقعة لألف سبب وسبب، عند محاكاة العقل الأميركي، بمعزل عن المستفيد والمتضرر مما جرى. وعليه، هذه بعض المؤشرات والدلائل.
تلتقي مراجع سياسية وديبلوماسية مع نظيراتها العسكرية، على تقديم مجموعة واسعة من السيناريوهات التي سبقت إلغاء زيارة قائد الجيش لواشنطن ورافقته وتلته، قياساً على حجم المؤشرات الاستباقية التي أوحت بخطوة أميركية قد تكون قاسية وربما جارحة، في اتجاه أهل الحكم في لبنان. وهي مؤشرات كانت مدار تداول في بعض الكواليس المعنية على نطاق ضيق منذ فترة. وهي تُقاس بالمراحل التي تلت المواعيد التي حُدّدت لتنفيذ قرار مجلس الوزراء بـ "حصر السلاح"، والتعثر الذي أصاب المواعيد المبدئية التي طُلبت من لبنان وتعهّد بها، من دون القدرة على التزامها. هذا عدا عن عوامل أخرى كانت تقود إلى ما حصل، وإن لم يكن متوقعاً بهذا الشكل والتوقيت. فكل ما كان ينقص العارفين، تحديد ساعة الصفر أو ما يمكن اعتباره اللحظة المناسبة لصدور قرارات، توقّع كثيرون انّها ستكون قاسية وربما جارحة.
وتبرز المعضلة الخطيرة، انّ ما تداوله البعض لم يصدّقه أحد، وإن وُجدوا كانوا من القلائل الذين لم يستمع إليهم أحد، او انّهم قصدوا تسخيف ما كان متداولاً وما اطلعوا عليه، وخصوصاً أنّ بينهم مَن كان يتمنى ذلك، اعتقاداً منه أنّ هناك مصلحة له في ما قد يحصل، لتبرير قرارات متشدّدة حفظاً لمصلحة داخلية محدودة وخارجية كبيرة، وقد تجاوزوا من خلالها كل ما يُعتبر منطقياً، مخافة الوصول إلى مثل هذه المرحلة التي تقضي على نوع من الأحلام والتمنيات والرغبات التي لم يكن لها أي صدى إيجابي ومنطقي.
على هذه الخلفيات، تتطلّع مراجع عليمة إلى ما جرى حتى اليوم، بالتزامن مع دعوات ملحّة إلى التروي في ما يمكن ان تنتهي إليه هذه القرارات التي لم يعرفها لبنان من قبل لا في شكلها ولا في مضمونها. فكيف بالنسبة إلى التوقيت الدقيق لبروزها إلى سطح الأحداث في مثل الظروف المتقلبة التي تعيشها المنطقة. وهنا تبرز أهمية الإشارة إلى مجموعة من الملاحظات التي لا يمكن تجاوزها، لفهم ما يُحضّر للمنطقة من خطوات كبرى، ترسم بداية معالم خريطة الشرق الأوسط الجديد.
ولذلك، يضيف عالمون بكثير من التفاصيل، انّ فهم ما اتخذته الإدارات الأميركية المعنية عند إلغاء بعض مواعيد قائد الجيش، إلى درجة أفرغت الزيارة من غايتها، يحتاج إلى كثير من العناية عند البحث عن الأسباب العميقة وربما الدفينة التي أدّت إلى ما حصل. فليس في ما اتُخذ من قرارات مسّ جوهري بالجيش وقيادته، وهو الذي حظي منذ سنوات عدة برضى القادة العسكريين الأميركيين الكبار، ولا سيما منهم ضباط قيادة المنطقة الوسطى الأميركية، الذين أعطوا شهادات كبيرة لها ما يبررها منذ عملية "فجر الجرود"، إلى تلك التي قام بها في عمليات موضعية دقيقة في مواجهة الإرهاب، ولم يتمكن أي جيش من تنفيذها في مناطق آهلة وعند معالجة ظواهر غريبة، كانت تهدّد أمن الدولة العام. وكان ذلك قبل أن تنفجر الحروب التي اقتيد إليها لبنان، في لعبة إقليمية ودولية وضعته غصباً عن كل المسؤولين فيه، في آتون من النار لم يكن يتوقعه أحد، سوى من كلّف يحيى السنوار ورفاقه القيام بما قاموا به في عملية "طوفان الأقصى"، قبيل ساعات على اقتياد لبنان إلى حرب "الإلهاء والإسناد" التي وضعت البلاد على شفير مسلسل من الحروب التي انتهت بعد عامين إلى نكبات وكوارث يتنكّر لها البعض اليوم، ويعتبرها وكأنّها قضاء وقدر، ولم يكن لمن اتخذها أي ذنب على الإطلاق، مع السعي إلى اعتبار أنّ ما حصل وكأنّه تحصيل حاصل، ولم يكن هناك أي قدرة على تجنّبه.
عند هذه المعطيات، ترى المراجع العليمة، أنّ من استهدف قائد الجيش، شكّل منصة لقرارات تستهدف القيادات السياسية التي تتحكّم بمهمات المؤسسة العسكرية التي تلتزم القرار السياسي، بعد تقديم ملاحظاتها التي يمكن أن تؤخذ في الاعتبار كاملة او مجتزأة. ولذلك، اعتبرت انّ ما جرى يمكن تجاوزه في حالات قليلة ونادرة، وانّ أي تغيير رهن بحجم ونوعية القرارات السياسية التي يمكن اتخاذها، ليس على المستوى العسكري والأمني فحسب، إنما على مستويات أخرى. فلا الجيش يتحمّل ما حصل إن تطورت الأمور نحو مزيد من العزلة المحتملة. والأخطر إن كانت له تتمة تنعكس على مدى جهوزيته وقدرته على مواجهة الاستحقاقات المقبلة الداخلية منها والخارجية، بمقدار ما تلقي المسؤولية على من عرقل الخطوات السياسية التي اتُخذت، بدءاً من تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 وما قال به، وخصوصاً على مستوى "حصر السلاح" في كل لبنان، والإسراع في الإصلاحات الإدارية والمالية والمصرفية التي تعهّد بها لبنان منذ أكثر من 5 سنوات ولم يبصر أي منها النور، وتراجع من عرقلها عن غيه بقدرته على المواجهة التي لا يمكن خوضها في أي شكل من الأشكال.
عند هذه المعطيات، تصرّ المراجع العليمة على نفي الحاجة إلى أي من حالات الاستغراب لما حصل. فالتحذيرات المتعددة التي تبلّغها لبنان من موفدين أميركيين وأمميين وعرب وغربيين على مدى عامين، كانت كافية لفهم ما آل اليه تجاهلها والاستخفاف بها وتحدّي إرادة مطلقيها. ولعل أبرزها، تلك التي نصحت بالفصل بين لبنان وقطاع غزة واستيعاب المخاطر المترتبة على بعض الخطوات المتفلتة من كل قانون او دستور، وقامت بها قوى تفتقر إلى الشرعية وفاقدة أي رعاية وطنية جزئية او شاملة، أخذت البلد إلى حيث لا تريد أكثرية اللبنانيين.
ولا ترى المراجع نفسها أي غرابة في ما حصل، ولكنها في الوقت نفسه تصرّ على انّ معالجة الوضع ليست مهمّة مستحيلة ولم يفت أوانها بعد. فجميع من استهدفتهم النصائح الدولية والتحضيرات المتتالية، يتفهمون الأسباب الموجبة لها قبل غيرهم، وفي مرحلة تتقدّم على ما يدركه اهل الحكم أنفسهم. ذلك انّ من يعتقدون انّهم على لائحة المستفيدين من إلغاء زيارة قائد الجيش لواشنطن او تأجيلها، ما زالوا يترددون في اتخاذ القرارات الصعبة المؤدية إلى تنفيذ قرارات حصر السلاح قبل فوات الأوان. ولكن السؤال الذي لم يتوافر له أي جواب بعد، هو عمّا يحول دون اتخاذ هذه القرارات على صعوبتها، وإنهاء حالة الإنكار التي يعيشها البعض، في وقت افتقدوا أي شكل من أشكال المواجهة التي باتت عبثية في ظل الهجمة الإسرائيلية بلا أي ضوابط. ذلك انّ فقدان أوراق القوة أياً كان شكلها وحجمها، قد يقود بالمتهورين ومعه بقية اللبنانيين إلى ما لا يراه أو لا يريده أحد، إن كان الآتي أعظم.