الاحداث- كتبت صحيفة "الديار": كما كان متوقعا، انضمت قوات الاحتلال الاسرائيلي ميدانيا الى "جوقة" الضغط على الداخل اللبناني عشية العودة المفترضة للمبعوث الاميركي توم بارّاك الى بيروت يوم الاثنين المقبل، فشنت سلسلة غارات جوية عنيفة على مجرى نهر الليطاني، كما استهدفت مسيرة سيارة مدنية بغارة على مدخل العاصمة الجنوبي في خلدة في "رسالة" دموية واضحة لفرض وقائع ضاغطة على اللجنة الثلاثية التي تعد الرد على "الورقة" الاسرائيلة-الاميركية . ولم تتاخر السعودية في الدخول على الخط فعاد مسؤول الملف اللبناني يزيد بن فرحان دون سابق مواعيد، حاملا رسائل، ناصحا بالتعامل بايجابية مع المطالب الاميركية كي لا تذهب الامور نحو الاسوأ، باعتبار ما يحمله الاميركيون يعتبر الفرصة الاخيرة قبل ترك لبنان لمصيره. اما بارّاك، فكان اكثر وضوحا في الكشف عن استراتيجية بلاده، واشار في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية الى ان مسالة سلاح حزب الله سيتم حلها عبر مزيج من سياسة "العصا والجزرة"، مراهنا على فصل بين الحزب وبيئته، واذا كان المبعوث الاميركي لم يكشف عن ماهية "العصا" الا انه كشف بان واشنطن تتواصل مع السعودية وقطر لكي تساهما في اعادة الاعمار، لانه وبحسب اعتقاده فان منح الشيعة مساعدات مالية سيؤدي الى تبديل خياراتهم؟!.
حزب الله والموقف الحاسم
اما من ينتظر جواب حزب الله على "ورقة" بارّاك، فهو يتوهم ان يكون الجواب مغايرا لما يقوله مسؤولو الحزب يوميا، لجهة رفض الاذعان الى صك الاستسلام المعروض على "الطاولة"،وبات واضحا ان الحزب يرفض نقاش ملف السلاح الا ضمن حوار وطني داخلي يناقش استراتيجية الدفاع الوطني، وذلك بعد انسحاب قوات الاحتلال، واعادة الاسرى، ووقف العدوان، والافراج عن اموال اعادة الاعمار، وهو بحسب مصادر مطلعة على موقفه، لن يرضخ لاي ضغوط داخلية او خارجية تريد ان تكشف البلاد امام التغول الاسرائيلي، دون اي ضمانات جدية يمكن الركون اليها في ظل التواطؤ الاميركي -الاوروبي مع اسرائيل. ولا يوجد في هذا السياق اي خلاف جدي مع رئيس الجمهورية ومجلس النواب اللذين يدركان خطورة المرحلة ويعملان على تدوير الزوايا للاستفادة من مرونة شكلية اظهرها بارّاك خلال زيارته الاخيرة لجهة عدم الضغط بوضع جدول زمني، وتحدث عن افكار يجب مناقشتها، لا فرضها، وهو هامش قد يتيح ايجاد قواسم مشتركة لادارة المرحلة بعيدا عن موجة الضغوط الحالية التي تتولاها جهات لبنانية وخارجية، باعتبار ان "الورقة" تعتبر اتفاقا جديدا سيبنى عليه للمرحلة المقبلة، ولا يجب التسرع في صياغته. اما رئيس الحكومة نواف سلام فمع ابداء مرونة اكبر في صياغة الرد اللبناني.
ماذا تتضمن "ورقة" بارّاك؟
وكان مصدر رسمي، اكد إن المقترح الذي قدمه بارّاك إلى بيروت يتمحور حول 3 عناوين أولها حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية،وثانيا إنجاز الإصلاحات المالية والاقتصادية، وضبط الحدود ومنع التهريب وزيادة الجباية الجمركية وتشديد الإجراءات على المعابر والمرافق العامة، والعنوان الثالث إصلاح العلاقة مع سوريا على المستويات المختلفة الأمنية والسياسية وضبط الحدود وصولا إلى ترسيم الحدود وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية. وأضاف أن المقترح الأميركي مكون من خمس صفحات، وأنه لا يتضمن مهلة زمنية لتطبيقه.
الرد اليوم او غدا؟
واذا كان الرؤساء الثلاثة يجهدون لكي يكون الموقف اللبناني موحدا، عبر تكثيف اجتماعات اللجنة الثلاثية التي عقدت بالامس اجتماعا جديدا، ويفترض ان تعقد لقاء آخر اليوم، بانتظار تسلم موقف المقاومة اليوم او غدا. الا ان الكثير من النقاط الاساسية باتت واضحة وتم وضع اطارها العام خلال العشاء الذي جمع رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري في بعبدا مساء الاربعاء، حيث حضر ملف الرد على الطروحات الاميركية، وكذلك حضر ملف التعيينات المالية والقضائية.
لا تسليم للسلاح
فالاجواء التي رشحت حتى الساعة، تدل على ان حزب الله لن يفتح ملف تسليم السلاح في المدى المنظور، وهو يضع رزمة من الحقوق اللبنانية قبل البحث في هذا الطرح، كالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجنوب واطلاق الاسرى وصولا الى ضمان اعادة الاعمار، كل ذلك قبل طرح ملف السلاح على الطاولة. ويبدو، وفق المصادر، ان الحزب، نجح الى حد كبير، في اقناع لبنان الرسمي بهذه الصيغة، حيث يتجه في ورقته الجوابية، نحو مطالبة إسرائيل والمجتمع الدولي بكل هذه الامور، على ان تُحل بعدها مسألة السلاح، بحوار داخلي تطبيقا لاتفاق الطائف وخطاب القسم والبيان الوزاري.
قناعات عون لن تتغير
وفي هذا السياق، بات رئيس الجمهورية اكثر اقتناعا بان المجتمع الدولي غير معني بمنح عهده اي فرصة للتقدم، وهو لم يحصل على اي مساعدة جدية من الخارج على رغم كثير من الوعود التي اطلقت، ولم يُسجل اي تقدم في مجال الدعم الخارجي، وهو لا يقبل بان يضعه احد امام امر واقع يشير الى ان لبنان اليوم امام الفرصة الاخيرة والا سيكون امام "العاصفة". فهو متمسك بخطاب القسم بحذافيره، لكن التطورات الاقليمية والدولية واجواء الحرب في المنطقة لا تساعد لبنان على المضي "بخارطة طريق" تحتاج الى الوقت والظروف المناسبة، وكل من لا يتفهم هذا الامر يدفع البلاد الى "الانتحار" وهو امر لن يقبل به الرئيس عون.
بري والفبركات الاعلامية
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري نفى بالامس ما روجت له بعض وسائل الاعلام "المغرضة" حول نصائح من قبله اسديت لحزب الله، واشار الى انها فبركات اعلامية لا صحة لها، وكان قد استقبل الحاج حسين خليل موفداً من حزب الله يوم الثلاثاء وتبلغ منه مجموعة ملاحظات، وقام ممثل بري في اللجنة علي حمدان، بنقل الملاحظات الى اللجنة الرئاسية وتمت مناقشتها في الاجتماع الاخير على أن يتبعها جواب رسمي اليوم او غدا.
وغداة تأكيد امين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم ان الحزب لن يسلّم سلاحه للعدو الاسرائيلي، قال عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض ان "حزب الله، ابدى على الدوام، استعدادا إيجابيا للتعاون في كل ما يتصل ببناء الدولة وإصلاح مؤسساتها وتطوير قدراتها التشغيلية، والدفع باتجاه تحقيق الاستقرار المنشود، بما في ذلك مؤازرة الدولة لبسط سلطتها على كامل أراضيها، وأن تكون قادرة على تأدية كل وظائفها، وفي طليعتها وظيفة الحماية والدفاع عن الشعب والسيادة". وتابع "لكن، كل ذلك سيبقى غير ممكن، بل متعذرًا، ما لم تتضافر الجهود الوطنية للضغط باتجاه تحقيق شرط أساسي، وهو انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من المواقع الخمسة التي لا يزال يحتلها، ووقف الاعتداءات المستمرة، واحترام السيادة اللبنانية". وختم: من وجهة نظرنا، هذا هو المدخل الطبيعي والمنطقي لإطلاق مسار الاستقرار والتعافي، ومعالجة أية عقبة تحول دون أن يستكمل الجيش اللبناني انتشاره، وأن تبسط الدولة سلطتها على كامل أراضيها، وتتولى شؤون المواطنين كافة.
الرياض تواكب الضغوط
وفيما عقدت اللجنة الخماسية اجتماعا "مفاجئا" في عوكر بدعوة من السفيرة الاميركية ليزا جونسون ، وغاب السفير السعودي الوليد البخاري بداعي السفر، تمحورت الاتصالات السياسية امس بعيدا من الاضواء مع وصول بن فرحان الى بيروت مساء امس الاول حيث التقى المسؤولين اللبنانيين وبعض الشخصيات السياسية، وهو يمكث في لبنان اياما عدة وقد يلتقي المبعوث الاميركي اثر وصوله الاثنين، ولفتت مصادر مطلعة الى ان حضوره جاء مواكبا للضغوط الاميركية في ملف السلاح، الا انه يعمل على مهمة اخرى عنوانها التسريع في التواصل مع العهد السوري الجديد خصوصا في ملف ترسيم الحدود، والتعاون الامني.
تحذيرات سعودية
ووفق مصادر مقربة من المملكة، فان زيارة بن فرحان تاتي في سياق التحذير من اعادة اطلاق يد الإسرائيليين عسكريا في لبنان، للتصرف ضد حزب الله، اذا لم يتم التعامل مع "الورقة" الاميركية بجدية، وانه من مصلحة لبنان اليوم الاستفادة من الفرصة الممنوحة له اميركيا ودوليا" فاذا سرّع في عملية حصر السلاح، سيضغط العالم على إسرائيل للانسحاب من الجنوب وسيساعد لبنان في اعادة الاعمار، اما اذا لم يفعل، فهو سيخسر على الصعد كافة وقد يجد نفسه امام جولة حرب إسرائيلية جديدة عليه"؟!
تصعيد اسرائيلي
امنيا، شنت الطيران المعادي سلسلة من الغارات العنيفة على مجرى نهر الليطاني بدءا من زوطر في قضاء النبطية وصولا الى مرتفعات العيشية، وبلدة زلايا في البقاع الغربي، وزعمت القناة العاشرة الاسرائيلية استهداف منصات لاطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله، علما ان ثمة اجماعا على اعتبار تلك الغارات مواكبة ميدانية للضغوط السياسية على لبنان. وفي هذا السياق، استهدفت مسيرة عصر امس، سيارة على طريق عام خلدة، ادت الى استشهاد مواطن وجرح 3 آخرين، وزعم جيش الاحتلال انه استهدف نقل اسلحة، لكن مكان وقوع الغارة يحمل دلالات كبيرة وواضحة على النوايا الاسرائيلية بتوجبه "رسائل" على البوابة الجنوبية لبيروت. وكانت مجموعة من جنود الاحتلال تسللت فجر امس، إلى منزل المواطن عباس بدير الواقع عند أطراف بلدة كفركلا، وعمدت إلى تفخيخه وتفجيره، ما أدى إلى تدميره.
المزيد من العقوبات الاميركية
وفي سياق رفع سقف الضغوط على حزب الله أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية قام امس بفرض عقوبات على سبعة مسؤولين كبار وكيان واحد مرتبط بمؤسسة القرض الحسن، وشغل هؤلاء المسؤولون مناصب إدارية عليا في "القرض الحسن"، وسهّلوا بحسب زعم واشنطن عمليات التهرب من العقوبات الأميركية، مما مكن حزب الله من الوصول إلى النظام المالي الرسمي. والمشمولون بالعقوبات، نعمة أحمد جميل، عيسى حسين قصير، سامر حسن فواز، عماد محمد بزي، علي محمد كرنبي، علي أحمد كريشت، ومحمد سليمان بدير. أما شركة تسهيلات ش.م.م. فقد تم تصنيفها أيضاً بموجب نفس الأمر التنفيذي لكونها مملوكة أو مدارة من قبل جميل ويزبك والشامي، أو تصرفت بالنيابة عنهم.
جعجع يواكب الضغوط الخارجية
بدوره، واكب رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع الضغوط الخارجية بمزيد من التصعيد تجاه حزب الله ، وزعم ان الحزب أوقع لبنان" بكارثة منذ 25 سنة تاريخ إقرار اتفاق الطائف الذي خلافاً للسرديات لم يتحدث عن سلاح المقاومة". فهذا السلاح في رأيه "ضد الدستور وضد الطائف وضد ميثاق العيش ..وتوجّه جعجع إلى الأمين العام لحزب الله الذي يتمسك بالصبر ويتوعد بمواجهة اسرائيل قائلاً: يا شيخ نعيم على مَن تضحك؟ يا أخي لا تصبر وأظهر لنا براعتك. يقولون إن الهدف من السلاح هو إقامة توازن استراتيجي مع اسرائيل، فتبيّن أن لا توازن وأنه عامل جذب لاعتداءات اسرائيل على لبنان"، مشيراً إلى "أن شعار "حزب الله" بات نهدّم ولا نبني"؟! وعن سحب وزراء "القوات" من الحكومة، فقال" في حال أصبح وجودهم غير فاعل لا توصوا حريصاً، الآن وجودنا في الحكومة يفيد أكثر ونعبّر عن موقف لبنان الرسمي، إنما إذا رأينا في وقت من الأوقات أن الحكومة تنتقل من "زحطة" إلى "زحطة" فكل الاحتمالات مفتوحة.
العلاقة بين سلام ودريان؟
وبعد ان اثار كلامه الكثير من علامات الاستفهام، ونفيه انه ضد رئيس الجمهورية، نفى المكتب الإعلامي في دار الفتوى امس ان يكون قد استهدف رئيس الحكومة، ما يطرح سؤالا كبيرا حول من يستهدف حقوق السنة؟! وفي بيان نفى مكتبه "الكلام المنسوب إلى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان لزواره على أن سلام يطيح بمكتسبات السنّة". وأكد أن "العلاقة بين مفتي الجمهورية ورئيس الحكومة القاضي نواف سلام متينة ولا تشوبها شائبة وعلى تواصل دائم، وهناك من يحاول بث أخبار كاذبة لا تمت إلى الحقيقة بصلة لتشويه الدور الذي يقوم به رئيس الحكومة على الصعيد الوطني والإسلامي وبين أبناء بيئته". وشدد على أن "صلاحيات رئاسة الحكومة لا يستطيع احد أن يتجاوزها أو يضعف موقعها، والرئيس سلام يحافظ عليها..