الاحداث- كتبت سلوى بعلبكي في صحيفة النهار تقول:"بينما يحاول لبنان جاهدا ترميم الثقة المتهالكة بنظامه المالي، عادت الشبهات إلى الواجهة مع تحقيقات وتقارير صحافية دولية جديدة تكشف مسارات رقمية غامضة، يُزعم أنها تُستخدم لتحويل أموال جمعيات خيرية مدرجة في لوائح العقوبات الأميركية ومرتبطة بـ"حزب الله"، في محاولة للتحايل على القيود المفروضة ونظام مكافحة تمويل الإرهاب.
هذه التسريبات لا تبدو معزولة عن سياق أوسع من الضغوط، إذ يخشى خبراء أن تمهد لموجة جديدة من التضييق المالي على لبنان، خصوصا بعد إدراجه في اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF)، ما يجعل البلاد تحت رقابة مصرفية مشددة تبطئ التحويلات وتزيد كلفتها.
وفي ظل هذا الانسداد، يجد آلاف المغتربين أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: إما الانصياع للإجراءات البطيئة والمكلفة، وإما اللجوء إلى قنوات غير رسمية غالبا عبر وسطاء نقديين أو منصات رقمية غير مرخص لها، بما يزيد المخاطر الأمنية والاقتصادية على حد سواء. وبين واقع الرقابة والاشتباه، يبرز السؤال: هل يعيش لبنان فصلا جديدا من العزلة المالية، أو أنه عالق في لعبة دولية تعيد رسم خريطته الاقتصادية والسياسية من بوابة العقوبات؟
فقد كشفت مصادر متابعة أن "موجة التقارير الجديدة ربما تحمل في ظاهرها أهدافا مالية، لكنها في العمق وسيلة ضغط سياسي متعمدة. فبينما تعلن هذه الإجراءات بوصفها جزءا من الحرب على تمويل الإرهاب، يرى كثيرون أنها تندرج ضمن سياسة "الخنق المالي" التي تستخدم للضغط على لبنان سياسيا واقتصاديا.
إلى ذلك، أكدت مصادر مصرف لبنان أن التوسع الكبير في عدد فروع شركات تحويل الأموال والمحافظ الإلكترونية، من دون وجود تنظيم مباشر أو رقابة مشددة، سيؤدي إلى نشوء مصادر محتملة لتبييض الأموال وغيرها من الممارسات غير القانونية. وقدّرت عدد الشركات المرخص لها بنحو 18، بعضها حجمه صغير جدا، في حين أن بعض الشركات لديها وكلاء وفروع كثيرة، إذ يبلغ عدد الفروع والوكلاء لإحدى الشركات وحدها نحو 1800.
وأكدت أن "المركزي" يدرس تعديل التعاميم المتعلقة بشركات تحويل الأموال والمحافظ الإلكترونية، بحيث يفرض على كل شركة تجميد مبلغ في مصرف لبنان مقابل فتح أيّ فرع جديد لها، على أن تقتصر الفروع على الشركة الأمّ، مع تأكيد توظيف أشخاص لديهم الخبرة الكافية. كذلك ستُسحب رخص كل شركة تحويل أموال أو محفظة إلكترونية لا تلتزم الامتثال Compliance ومعايير مكافحة تبييض الأموال.
وفيما اقترحت "وول ستريت جورنال" زيادة الرقابة المالية من لبنان وإليه، اتهمت صحيفة "فايننشال تايمز" شركات تحويل لبنانية بأنها تُستخدم لجمع التبرعات وتحويل الأموال.
شركة OMT أكدت لـ"النهار" أنها تطبق "بدقة كل اللوائح المحلية والدولية، فتطبيق هذه القوائم ليس خيارا بل التزام مفروض من الشركاء الدوليين، وفي مقدمهم ويسترن يونيون". وانطلاقا من كونها الوكيل الأول المعتمد لـ"ويسترن يونيون" في لبنان، فإن جميع التحويلات الدولية تنفذ حصرا عبر منصة "ويسترن يونيون" العالمية، وتخضع كلها للشروط والأحكام المطبقة والتي تفرضها "ويسترن يونيون" والولايات المتحدة الأميركية والهيئات التنظيمية العالمية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. فإذا كان أحد الأشخاص مدرجا في لائحة المحظورين دوليا، يمنع من تسلم التحويل تلقائيا، لأن النظام الإلكتروني للشركة يوقف العملية فورا.
أما على صعيد التحويل الداخلي، فتؤكد الشركة أنها تطبق المعايير نفسها، إذ تخضع كل عملية تحويل لفحص تلقائي على اللوائح المحلية والدولية قبل تنفيذها.
وختمت بأن "التزام معايير الامتثال المحلية والدولية هو ركيزة أساسية للقطاع المالي في لبنان".
وفي هذا السياق، لاحظ الاستشاري والخبير المالي رمزي الصبوري أن "الكثير من شركات الدفع الرقمي في لبنان تفتح وتغلق باستمرار. فبين فترة وأخرى تظهر شركة تحصل على ترخيص، ثم بعد مدة قصيرة تغلق أخرى". وإذ قدّر عدد الشركات المرخص لها بنحو 13، أكد أن "بعض هذه الشركات يؤسس خصيصا لغرض معين، ومنها الحصول على ترخيص وبيعه بسعر أعلى لاحقا".
ونفى أن يكون التضييق الخارجي على هذه الشركات وسيلة للتضييق على الاقتصاد اللبناني، إذ إن "الاقتصاد يعتمد أساسا على الإقراض، وهو ما بدأت بعض المصارف بالقيام به فعلا".
أما القول إن هذه الإجراءات تستهدف حزبا معينا أو تضيق عليه، فليس دقيقا، وفق الصبوري، بدليل أن "الجهات نفسها التي تفرض التضييق هي التي تفتح له قنوات عندما تحتاج إلى ذلك، لأن إغلاقها بالكامل قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي واقتصادي في البلد"، مذكرا بالعقوبات على سوريا التي فرضت منذ عام 2012، ومع ذلك لم تتوقف بعض شركات تحويل الأموال الأميركية عن العمل هناك، بحجة أن للأمم المتحدة نشاطات إنسانية، وهناك قنوات خاصة تمر عبرها التحويلات.
ماذا عن التضييق على التحويلات من المغتربين؟ أجاب صبوري بأنها لن تتأثر "لأن التحويل يمر عبر الشركات التي لا تزال تعمل بترخيص من مصرف لبنان، وتخضع لإشرافه. وما دامت الأمور منظمة قانونا، فإن أموال المغتربين آمنة، ويمكن تحويلها من دون مشكلة. التأثير هو فقط على السمعة، ولكن في هذه الحالة السمعة لا تؤدي دورا كبيرا، لأن الجهات المعنية كلها تدرك حقيقة الوضع".
وفي حين ذكرت "الفايننشال تايمز" أن هذا النشاط أتى في ظل توسع صناعة المدفوعات الرقمية في لبنان بعد انهيار القطاع المصرفي عام 2019، حيث اتجه ملايين المستخدمين إلى التطبيقات الإلكترونية لتلقي التحويلات من الخارج، والتي بلغت قيمتها نحو 6 مليارات دولار عام 2024 وفق البنك الدولي، أكد الصبوري أن الرقم "يصل إلى 10 مليارات دولار، إذا ما أخذنا في الاعتبار مبالغ الكاش".