الاحداث - أكد نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب غسان حاصباني أن "العدالة ليست رفاهًا سياسيًا بل هي أساس قيام دولة تُحترم وتُهاب. وإذا لم تتحقّق، فإن بيروت ستبقى مدينة تنزف"، مشدّداً أن "ذكرى إنفجار "4 آب" لا تكتمل من دون حقيقة ولا راحة لأرواح الضحايا من دون عدالة. العدالة ليست فعل رحمة، بل واجب. هي ليست ترفًا نطلبه، بل حقٌّ ننتزعه".
كلام حاصباني جاء خلال احياء "منطقة بيروت" في حزب القوات اللبنانية الذكرى السنوية الخامسة لتفجير مرفأ بيروت، بقداس إلهي لراحة أنفس الشهداء والضحايا، ترأسه الاب ايلي الجلخ في كنيسة مار أنطونيوس البدواني في محلة الجميزة – الأشرفية.
تابع: "نحن ننتظر القرار الظني من قاضي التحقيق، ننتظره ليس كشكلٍ إجرائي، بل كخطوة مفصلية في استكمال مسار العدالة. ننتظره ليبدأ زمن المحاسبة، ولتُرفع الستارة عن الحقيقة التي طال تغييبها، وتُسمّى الأمور بأسمائها، ويُقال للقاتل: قاتل".
حاصباني اكد أن "بيروت ليست ضحية انفجار فحسب، بل ضحية نظام متراكم من الاستهتار والفساد والإفلات من العقاب"، مضيفاً: "من هنا، فإن معركتنا ليست فقط من أجل ضحايا الرابع من آب، بل من أجل وطن يُبنى على المحاسبة، لا على التسويات؛ على القانون، لا على المحسوبيات".
كما تعهد حاصباني أن تبقى "القوات اللبنانية" على العهد، وأن نستمر في المطالبة بالحقيقة والعدالة، ألا نترك دماءكم تذهب سدى، ولا دموعكم تُمحى بالنسيان.
النص الكامل لكلمة حاصباني:
أيّها اللبنانيون، يا أبناء بيروت، يا أهل الوجع المقيم منذ خمس سنوات…
في مثل هذا الوقت في الرابع من آب 2020، توقّف الزمن في بيروت. دوّى الانفجار، وارتجّت المدينة، وتكسّر زجاجها وأجسادها وقلوب أهلها. خمس سنوات مضت، ولا تزال المدينة تئنّ، ولا تزال الحقيقة غائبة، والعدالة منفية، والمتّهمون أحرار.
خمس سنوات من الأسئلة المعلّقة، من الوجوه المغيّبة، من الأسماء التي صارت شواهد، من الأمهات اللواتي لم يجفّ دمعهن، من البيوت التي بقيت أطلالًا، من الوعود التي لم تتحقّق، من المحاكمات التي لم تبدأ، ومن الدولة التي لم تتحمّل مسؤوليتها.
في الذكرى الخامسة لانفجار المرفأ، لا نملك إلا أن ننحني أمام أرواح الضحايا، شهداء الإهمال والتواطؤ والتقصير.
ننحني أمام كل من استشهد، وأمام كل من أصيب، وأمام كل من خسر بيته، رزقه، ذاكرته، أو جزءًا من جسده وقلبه.
لكنّ الانحناء لا يكفي. الصمت لا يكفي. الذكرى لا تكتمل من دون حقيقة. ولا راحة لأرواح الضحايا من دون عدالة. العدالة ليست فعل رحمة، بل واجب. هي ليست ترفًا نطلبه، بل حقٌّ ننتزعه. خمس سنوات مرّت، ولا مسؤول خلف القضبان، لا محاسبة، لا مساءلة، لا إجابة واحدة تشفي قلب أمّ أو أب أو أخ أو زوج أو ابنة تنتظر.
أيّها اللبنانيون، نحن لا ننسى. لا ننسى من دمّر عاصمتنا، من قتل أبناءنا، من استهان بحياتنا ومستقبلنا. لا ننسى من خبّأ الموت في قلب المدينة، ومن عرف وسكت، ومن أمر وغطّى، ومن تقاعس ولم يتحرّك. العدالة ليست رفاهًا سياسيًا، بل هي أساس قيام دولة تُحترم وتُهاب. وإذا لم تتحقّق، فإن بيروت ستبقى مدينة تنزف.
أيّها الحاضرون في وجعهم، أنتم الشهود الأحياء على الجريمة. أنتم الأمل الذي يُقاوم الإنكار والتقاعس. صمودكم، نضالكم، أصواتكم التي لا تهدأ، هي التي تبقينا على يقين بأنّ هذه القضية لن تُطوى، ولو حاولوا دفنها في أدراج القضاء المعطّل أو في ركام الدولة المهترئة.
وسنبقى نناضل مع أهالي الشهداء والمتضررين في المحافل الدولية وفي أماكن صناعة القرار المحليّة لتحرير التحقيق والقضاء للوصول الى الحقيقة والمحاسبة.
نقف اليوم مع المتضرّرين، مع الذين خسروا أحبّاءهم، ومع الذين لا تزال بيوتهم تنتظر الترميم، والذين لم يُعوّض عليهم، لا مادياً ولا معنوياً. نعرف أن لا تعويض يعيد الحياة لمن رحل، لكن أقلّ الإيمان أن تُعترف خساراتكم، أن يُعالج جرحكم، وأن يُحاسب من كان سببًا فيه.
ونحن، في هذا اليوم، نوجّه نداءنا إلى من تبقّى من ضمائر حية في هذا الوطن: نحن ننتظر القرار الظني من قاضي التحقيق، ننتظره ليس كشكلٍ إجرائي، بل كخطوة مفصلية في استكمال مسار العدالة. ننتظره ليبدأ زمن المحاسبة، ولتُرفع الستارة عن الحقيقة التي طال تغييبها، وتُسمّى الأمور بأسمائها، ويُقال للقاتل: قاتل.
وفي وجه كل ظلمٍ قائم، نستند إلى وعد الله، كما في المزمور:
“لأن الرب يحب العدل، ولا يترك أتقياءه. إلى الأبد يُحفظون، أما نسل الأشرار فينقطع.” (مزمور 37: 28)
إننا نؤمن أن مشيئة الله أعلى من طغيان البشر، وأن يد العدالة، وإن تأخرت، لا تتوقّف.
بيروت ليست ضحية انفجار فحسب، بل ضحية نظام متراكم من الاستهتار والفساد والإفلات من العقاب. من هنا، فإن معركتنا ليست فقط من أجل ضحايا الرابع من آب، بل من أجل وطن يُبنى على المحاسبة، لا على التسويات؛ على القانون، لا على المحسوبيات.
في ذكرى هذا اليوم الحزين، نعدكم أن نبقى على العهد، أن نستمر في المطالبة بالحقيقة والعدالة، ألا نترك دماءكم تذهب سدى، ولا دموعكم تُمحى بالنسيان.
سلامٌ على بيروت، وسلامٌ على شهدائها،
سلامٌ على من لا يزالون ينادون بالحق في وجه النسيان،
وسلامٌ على كل من يؤمن أن الوطن لا يُبنى على القهر، بل على الحقيقة.
الرحمة لشهداء بيروت،
والعدالة لهم، لنا، ولكلّ لبنان