الاحداث- كتب شارل جبور في صحيفة نداء الوطن:"تكرّرت على لسان أمين عام "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم مقولة أن الحزب "أعاد بناء نفسه وقدراته وقوته"، وأُعيد تردادها على ألسنة عدد من نواب ومسؤولي "الحزب"، في مشهد يندرج ضمن سياق سوء التقدير الذي طبع سلوكه منذ إعلانه "حرب الإسناد"، مرورًا بتفويته أكثر من فرصة ومناسبة للخروج منها والحدّ من خسائره، وصولًا إلى تأكيده إعادة بناء نفسه.
لم يكن "حزب الله" مضطرًا إلى إعلان من هذا القبيل يمنح إسرائيل الحجة التي تبحث عنها لمواصلة استهدافه، سواء بالحدّ الأدنى عبر اتهامه بمخالفة اتفاقية 27 تشرين الثاني 2024 القاضية بتفكيك بنيته العسكرية، أو بالحد الأقصى عبر شن حرب جديدة تدمِّر ما لم يدمّر من المناطق التي يتواجد فيها.
كان في مقدور "حزب الله" ببساطة أن يتجنب هذا التصريح الذي يقدِّم لإسرائيل ذريعة مزدوجة: عدم تنفيذ التزاماتها، ومواصلة استهدافه، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفعه إلى اتخاذ موقف يفاقم أزمته، ويُبقيه عرضة لضربات عاجز عن وقفها أو الردّ عليها، ويُحرج الدولة اللبنانية المطالبة بتنفيذ ما وقعته في 27 تشرين الثاني، وتطبيق دستورها الذي ينص على نزع سلاحه؟
يمكن التوقف عند أربعة أسباب أساسية:
السبب الأول، يتعلَّق بجمهوره وحاجته إلى طمأنته وشد عصبه عبر الإيحاء بأن وضعه جيِّد وأن الحرب لم تُنهِ قوته ولا قدراته، وهذا دليل خشيته من تفكُّك وضعيته، وبدء ابتعاد جمهوره عنه.
السبب الثاني، ترهيب الخيار الشيعي اللبناني وفرملة حركته واندفاعته، بتوجيه رسالة مباشرة إليه مفادها أن شيئًا لم يتغيّر داخل البيئة الشيعية، وأن الرهان على ضعف "الحزب" العسكري في غير محله.
السبب الثالث، تجميد خطوات الدولة لاحتكار السلاح، إذ يخشى أن تظن أنه فقد قوته وأصبح بإمكانها أن تنزع سلاحه.
السبب الرابع، تنفيذ طلبات إيران وأوامرها، إذ تريد ان تُبقيه ورقة بيدها، وليست في وارد التراجع عن استثمارها فيه، مراهنة على ظروف غيبية قد تعيد إحياء دوره، وساعية إلى مفاوضة واشنطن حول سلاحه.
ما تقدّم يؤشر إلى مأزق "حزب الله" الاستراتيجي في ظل عجزه عن الحدّ من خسائره، ومواصلته سياسة التحدّي التي تعمِّق ورطته. أما حديثه عن "إعادة بناء نفسه"، وعدا عن أنه يستجرّ المزيد من الضربات ضدّه، فليس سوى وهم جديد لا علاقة له بالواقع ولا الوقائع، للاعتبارات التالية:
أولًا، حين كان "حزب الله" في ذروة قوته، هُزِم أمام إسرائيل، وكشفت "حرب الإسناد" أن قوته بالمقارنة مع الجيش الإسرائيلي صوتية لا فعلية، وأن شعاراته سقطت في الميدان.
ثانيًا، حتى لو افترضنا انه استعاد بعض قدراته، فهي بالتأكيد لا توازي قوته السابقة قبل "حرب الإسناد"، ولا مجال للمقارنة أصلًا. فأين تُصرف هذه القدرات طالما هُزِم في ذروة قوته، وعاجز اليوم عن مجرّد الردّ على الضربات الإسرائيلية المتواصلة ضده؟
ثالثًا، كيف يمكن أن يُعيد بناء قوته وقدراته في ظل الحصار الجغرافي المطبق عليه، خصوصًا أن قوته السابقة كان بناها من خلال الخط المفتوح بين إيران ولبنان؟ وكيف يمكن أن يعيد هذا البناء العسكري وهو تحت النار الإسرائيلية الدائمة؟
وعليه، فإن كل الحديث عن "إعادة "حزب الله" بناء نفسه" مجرّد وهم ودعاية للاستهلاك الداخلي، هدفها الحفاظ على تماسك جمهوره، وترهيب خصومه داخل الطائفة، وفرملة تطبيق الدولة لقراراتها بنزع سلاحه، وتنفيذ الأجندة الإيرانية.
لقد أظهرت الأحداث أن الاختصاص الحقيقي لـ "حزب الله" هو الدعاية، إذ تبيّن أن شعار "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت"، وسواه من الشعارات، ينطبق في الواقع على وضعيته هو. أما الشعار الجديد القائل إنه "أعاد بناء نفسه" فلا يشذ عن القاعدة القديمة. لكنه في الحقيقة يورِّط نفسه أكثر فأكثر، ويجعل الحرب لإنهاء وضعيته العسكرية مسألة حتمية.