الاحداث- كتبت صحيفة "الشرق الأوسط": أقرت الحكومة اللبنانية، الخميس، جزءاً من ورقة الموفد الأميركي توماس براك، ووافقت على إنهاء الوجود المسلّح على كامل الأراضي اللبنانية بما فيه «حزب الله» ونشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية، بغياب الوزراء الشيعة الذين انسحبوا من الجلسة دون أن ينسحبوا من الحكومة، اعتراضاً على إصرار الحكومة على مناقشة الورقة، مطالبين بتثبيت وقف إطلاق النار قبل مناقشتها.
وفيما بدا أنه محاولة من الحكومة لتجنب تصعيد الموقف مع الوزراء الشيعة ولتجنب سلاح «الميثاقية» الذي شهره الوزراء الشيعة بانسحابهم من الجلسة، تبنت الحكومة مقدمة الورقة الأميركية من دون الغوص في تفاصيلها. ويرى ثنائي «حزب الله - حركة أمل»، أن الورقة الأميركية، هي بديل عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ويشترط تنفيذ إسرائيل لبنود الاتفاق قبل مناقشة سحب سلاح «حزب الله».
وقال وزير الإعلام بول مرقص، خلال تلاوة مقررات مجلس الوزراء الذي انعقد برئاسة الرئيس اللبناني جوزيف عون: «إننا وافقنا على إنهاء الوجود المسلّح على كامل الأراضي بما فيه (حزب الله) ونشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية». وأشار إلى أن عون «كشف عن تلقيه اتصالات دولية لانطلاق جهود دولية وعربية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، وهناك إجراءات للإعداد لها»، مشيراً إلى أن «مجلس الوزراء استكمل النقاش في البند الأول من جلسته، ووافق على الأهداف الواردة في مقدمة الورقة الأميركية بشأن تثبيت اتفاق وقف الأعمال العدائية وذلك في ضوء التعديلات التي كان قد أدخلها المسؤولون اللبنانيون».
وتابع: «سنتخذ القرارات المناسبة في ضوء الخطة التنفيذية التي ستعود إليها قيادة الجيش نهاية الشهر». وأشار إلى «أننا حاولنا ثني الوزراء الشيعة عن الخروج من الجلسة عبر صيغ متعددة تقدم بها رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، وكان هناك حرص من قبل رئيس الجمهورية على استمرار مشاركتهم في الجلسة، لكنهم ارتأوا الخروج من الجلسة كي لا يتخذ القرار بحضورهم ليس إلا، كما وافقنا على مفاوضات غير مباشرة لترسيم الحدود مع إسرائيل ومع سوريا».
وتتضمن أهداف الورقة الواقعة في الصفحة الأولى منها، «حصرية السلاح» و«بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها» و«ضمان استدامة وقف الأعمال العدائية»، و«إنهاء الوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بمن فيها (حزب الله) على كامل الأراضي اللبنانية، وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، وتسوية القضايا الحدودية وقضايا الأسرى بالطرق الدبلوماسية من خلال مفاوضات غير مباشرة، إضافة إلى عودة المدنيين من القرى والبلدات الحدودية، وترسيم الحدود، وعقد مؤتمر اقتصادي لدعم الاقتصاد اللبناني، وإعادة الإعمار».
مشاركة الوزراء الشيعة
وشارك أربعة وزراء شيعة من أصل خمسة في الجلسة، إذ تغيب عنها وزير المال ياسين جابر بداعي السفر. وبعد احتدام النقاش، انسحب الوزراء الأربعة، وزير الصحة راكان ناصر الدين ووزير العمل محمد حيدر (وهما محسوبان على حزب الله)، وتمارا الزين (محسوبة على أمل)، ووزير التنمية الإدارية فادي مكي (مستقل). وتحدثت معلومات عن أن «عدم إلغاء الجدول الزمني لحصرية السلاح، والإصرار على مناقشة الورقة الأميركية هما سبب الانسحاب من الجلسة».
ووصف الوزير فادي مكي الأمر بـ«الموقف الصعب!»، وأضاف في تغريدة له في منصة «إكس»: «حاولتُ منذ البداية العمل على تضييق الفجوات وتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف، لكن لم أنجح. غادرت الجلسة بعد مغادرة زملائي ولم يكن القرار سهلاً، لكنني لم أستطع تحمّل مسؤولية اتخاذ قرار بهذا الحجم في ظل غياب مكوّن أساسي عن النقاش».
من جهته، قال وزير العمل محمد حيدر: «انسحبنا من جلسة الحكومة بعد رفض تأجيل المناقشة بورقة توم برّاك حتى تقديم الجيش خطته في 31 أغسطس (آب) الحالي»، مضيفاً: «كان الأفضل أن نفهم بشكل كامل الورقة الأميركية لكن القرار كان يجب دراسته اليوم ونحن سجلنا اعتراضنا وانسحبنا».
من جانبها، قالت الوزيرة تمارا الزين: «فضلنا الانسحاب من جلسة الحكومة لأنه موقف أقوى من الاعتراض ويسجل في محضر الجلسة»، مضيفة: «كان التوجه العام للجلسة تبني المبادئ العامة لورقة براك وتمنينا أولا تثبيت وقف إطلاق النار». وشددت على «وجوب أن يطرح النقاش مجدداً، وهذا ما طرحناه في الجلسة لأن هناك قرارات تحتاج إلى وفاق وطني».
بري: الوضع دقيق
وحاول رئيس البرلمان نبيه بري، «أن تُحلّ القصة بشكل يفيد الجميع»، حسبما قالت مصادره لـ«الشرق الأوسط» قبل انعقاد الجلسة، مشددة على أن «الوضع دقيق».
وأكدت المصادر أن الوزراء الشيعة «بالتأكيد سيشاركون بجلسة الحكومة»، وذلك «للتنبيه من المخاطر التي تحيط بلبنان» جراء الورقة الأميركية. وأوضحت المصادر أن «هناك أموراً ضد لبنان ومصلحته واقتصاده وحدوده، وضد مناطق من لبنان، لذلك سينبّه الوزراء منها في الجلسة».
وأشارت إلى أن مسودة ورقة براك التي انتشرت في لبنان، وتتلخص بثلاثة جوانب متصلة بالوضع الأمني مع إسرائيل والحدود معها ومع سوريا، والجدول الزمني الذي نصت عليه لتطبيقها، «صحيحة»، مضيفة: «بل تتضمن أكثر من ذلك... هناك أمور أكثر مرارة منها»، ونقلت المصادر عن بري قوله إن «المشكلة تتمثل في الفارق بين النسخة الثانية والنسخة الثالثة (من الورقة الأميركية) التي تغيرت إثر انتقالها من مالك إلى هالك...». ورفضت المصادر الحديث عن السيناريوهات المحتملة، في حال أصرت الحكومة على موقفها ومضت في المسار الذي بدأته يوم الثلاثاء الماضي، مكتفية بالقول: «عندها لكل حادث حديث».
«حزب الله» يهاجم سلام
وخلال انعقاد الجلسة، دعا «حزب الله» على لسان كتلته النيابية (الوفاء للمقاومة)، الحكومة اللبنانية للتراجع عن مسعاها. وقالت إن لبنان «ينساق بعض أهل السلطة فيه، وراء الإملاءات الخارجيّة والضغوطات الأميركيّة وينصاع لها غير آبهٍ لحسابات المصلحة الوطنيّة العليا ودواعي الوحدة الداخليّة التي تشكِّلُ الضمانة الأهمّ للبنان»، عادّةً أن «تبنّي رئيس الحكومة لورقة الموفد الأميركي برّاك، دليل واضح على انقلابه على كلّ التعهُّدات التي التزم بها في بيانه الوزاري وتعارضها الجوهري مع ما جاء في خطاب القسم الذي أطلقه رئيس الجمهوريّة».
ورأت الكتلة في بيان، أنَّ «التسرُّع المريب وغير المنطقي للحكومة اللبنانيّة ورئيسها، بتبنّي المطالب الأميركيّة هو مخالفةٌ ميثاقيّة واضحة كما أنَّه يضربُ أُسس اتفاق الطائف الذي يحفظ حقَّ لبنان في الدفاع عن نفسه، وأنَّ المحاولات البائسة للتعرُّض لسلاح المقاومة تقدِّمُ خدمةً مجَّانيّة للعدو الإسرائيلي وتجرِّد لبنان من أهم نقاط قوّته في ظل الاستباحة الصهيونيّة المتمادية للسيادة اللبنانيّة وجرائم الاغتيال اليوميّة بحقّ اللبنانيين مدنيين ومقاومين».
ودعت الكتلة «الحكومة اللبنانيّة إلى تصحيح ما أوقعت نفسها ولبنان فيه من الانزلاق إلى تلبية الطلبات الأميركيّة التي تصبُّ حكماً في مصلحة العدو الصهيوني وتضع لبنان في دائرة الوصاية الأميركيّة». ورأت أنه «من أولويات الحكم والحكومة، المبادرة إلى إنجاز وضع استراتيجيّة أمن وطني تضمن للبنان إمكانيّة الدفاع عن أرضه وشعبه وتأمين سُبُل الحماية اللازمة لضمان سيادة البلد واستقلاله وسلامة وكرامة أهله».