Search Icon

صراع المسؤوليات في "الفجوة المالية": من يدفع ثمن الانهيار؟

منذ 6 ساعات

من الصحف

صراع المسؤوليات في الفجوة المالية: من يدفع ثمن الانهيار؟

الاحداث- كتبت سلوى بعلبكي في صحيفة النهار تقول:"دخل ملف "الفجوة المالية" مرحلة مفصلية مع بدء مجلس الوزراء مناقشة مشروع القانون المنتظر، في لحظة سياسية واقتصادية دقيقة، تتقاطع فيها ضغوط صندوق النقد الدولي مع واقع مالي مأزوم، وانقسام داخلي حول كيفية توزيع الخسائر وتحديد المسؤوليات. وقد عكست المداولات وفق ما تسرب من أجوائها، حجم التباين بين مقاربات الحكومة وملاحظات حاكم مصرف لبنان، ومواقف وزراء حذروا من مقاربة جزئية قد تفاقم الأزمة بدل أن تعالجها.

 

النقاشات التي شهدتها الجلسات الأخيرة وما تسرب عنها، عكست انتقال الملف من مرحلة الإنكار إلى مرحلة الاعتراف بالأزمة، ولو متأخرا. وهو ما عبر عنه بوضوح وزير المال ياسين جابر، حين شدد على أن أي قانون لا يمكن أن يكون نصا "منزلا" أو غير قابل للنقاش، بل يجب أن يخضع لقراءات متعددة وتعديلات، لأن لبنان لم يعد يملك ترف الحلول الجاهزة أو الشكلية.

 

وفق مقاربة جابر، لا سابقة عالميا لبلد واجه انهيارا ماليا بهذا الحجم وبقي 6 أعوام من دون أي معالجة فعلية. فالبلاد عاشت مرحلة طويلة من الإنكار جرى خلالها الاكتفاء بإجراءات ترقيعية، من قبيل دفعات شهرية محدودة للمودعين، وإبقاء مصارف عاجزة عن أداء دورها الطبيعي، بما يشبه حالة "المصارف الزومبي".
من هذا المنطلق يرى جابر أن مشروع قانون الفجوة المالية، على الرغم من كل الملاحظات عليه، يشكل محاولة أولى للانتقال من إدارة الأزمة إلى معالجتها، شرط أن يأتي ضمن مقاربة شاملة لا تختزل المشكلة في بند واحد أو جهة واحدة.

 

النقاش الحكومي انطلق من توصيف الأزمة على أنها ثلاثية: أزمة في المصارف، وفي مصرف لبنان، وفي الدولة نفسها. وهذه الأزمات مترابطة، ولا يمكن معالجة الودائع بمعزل عن وضع المصارف، ولا إصلاح المصارف من دون معالجة اختلالات المركزي، ولا تحميل المركزي والمصارف وحدها عبء أزمة كانت الدولة طرفا أساسيا في تراكمها.

 

لذا برز اعتراض واضح داخل الجلسات على منطق معالجة الودائع فقط، من دون تحديد من سيتحمل الكلفة النهائية، خصوصا في ظل الحديث عن فجوة تقارب 16.5 مليار دولار، وهي أموال بالدولار في بلد لا يملك احتياطات كافية ولا عملة سيادية قادرة على امتصاص الصدمة.

 

بحسب ما نقل عن أجواء المداولات، أقرّ حاكم مصرف لبنان كريم سعيد بوجود نقاط إيجابية في المشروع، لكنه طرح تساؤلا جوهريا حول مساهمة الدولة في الدفع، إذ إن القانون لم يحدد مساهمة الدولة النقدية في السنوات الأربع الأولى من تطبيق القانون. وأكد أن مصرف لبنان لا يمكنه تنفيذ القانون دون مساهمة نقدية واضحة من الدولة، طالبا ذكر المساهمة في القانون، ومشيرا إلى أن مساهمة الدولة ناتجة من كونها مدينة لمصرف لبنان بما لا يقل عن 30 مليار دولار، بينها 16.5 مليارا (حساب الحصيلة المكشوف) و13 مليارا من الدعم بعد عام 2019 وفيول للكهرباء وتسديد قروض للصناديق الدولية. وقد دار نقاش حول حجم المبالغ الممكن ضخها سنويا لإعادة الودائع، إذ ثمة من اعتبر أن 6 مليارات دولار سقف واقعي، فيما طالب آخرون برفع الرقم إلى 8 مليارات، بما يسمح بتأمين حد أدنى يراوح بين 120 و150 ألف دولار لكل مودع، مع استكمال الدفع على مراحل تمتد 4 سنوات، وتحويل الجزء المتبقي إلى سندات طويلة الأجل.

 

في هذا السياق، شدد جابر على أن قرار الاستدانة أو تحميل الدولة ديونا إضافية ليس قرارا فرديا، ولا يمكن وزيرا أو جهة تنفيذية اتخاذه بمعزل عن المؤسسات الدستورية، ولاسيما مجلس النواب، محذرا من أن أي خيار يزيد الدين العام الذي تجاوز أصلا نسبا خطرة من الناتج المحلي، قد يقود إلى مأزق أكبر.

 

مساهمة الدولة هي إحدى أبرز نقاط الخلاف. ففيما ينص المشروع على التزامات عامة، برز سؤال أساسي: لماذا تستطيع الدولة التزام تسديد مستحقات لمؤسسات مالية دولية أو لمودعين في الخارج، فيما يطرح سقف محدود لمساهمة الدولة حيال المودع اللبناني؟

 

إلى ذلك، أثيرت المادة 113 بوصفها مرجعية تؤكد التزام الحكومة ومجلس الوزراء، ولكن من دون تحديد آليات واضحة أو نسب فعلية للدفع. ووفق الطرح الذي دافع عنه جابر، فإن معالجة الفجوة لا يمكن أن تتم دفعة واحدة، بل عبر تسويات تمتد بين 10 و15 سنة، تشمل أدوات مالية مثل السندات، بفوائد مدروسة، تضمن استعادة جزء وازن من الحقوق من دون إغراق الدولة بدين غير قابل للسداد.

 

في المقابل، أظهر النقاش توجها لتفادي الصدمة الفورية للمصارف، عبر منحها مهلة زمنية لإعادة هيكلة أوضاعها وزيادة رساميلها. هذا الخيار الذي دافع عنه بعض الوزراء باعتباره واقعيا، قوبل بمخاوف من أن يتحول إلى تأجيل دائم للمحاسبة، خصوصا في غياب خطة واضحة لزيادة مساهمة المصارف في تحمل الخسائر.
ورفض جابر الاتهامات بأن الحكومة جاءت لفرض شروط قاسية على المصارف، معتبرا أن "ما يطرح هو إعطاؤها الوقت الكافي لتصحيح أوضاعها، وأن الاعتراض الشعبي لا يستهدف المصارف كمؤسسات بقدر ما يستهدف ممارسات بعض القائمين عليها".

 

ومن أكثر النقاط حساسية تلك المتعلقة بالعدالة الضريبية. فمشروع القانون يفرض غرامة بنسبة 30% على من سدد قروضه بالليرة واستفاد من فروق الصرف، فيما لا يتطرق صراحة إلى أرباح ضخمة حققها متمولون وشركات ورجال أعمال كبار عبر شراء شيكات مصرفية بأسعار متدنية واستخدامها لتسديد قروضهم بمليارات الدولارات، علما أن الارباح التي جناها هولاء التجار والمتمولون والشركات هي من جيوب المودعين. غياب هذه الحالات عن النص، بحسب ما طرح في النقاش، يفتح الباب أمام شبهة حماية مصالح نافذين، ويهدد بتقويض صدقية القانون برمته، ما لم تعالج هذه الثغرة بوضوح في الصيغة النهائية.

 

رغم الاعتقاد بإمكان تمرير المشروع في مجلس الوزراء بعد إدخال تعديلات عليه، يدرك معظم المشاركين أن المعركة الأساسية ستكون في مجلس النواب، حيث سيخضع القانون لنقاش سياسي وشعبي أوسع، في ظل الاستحقاقات الانتخابية والضغوط الاجتماعية.

 

خلاصة موقف وزير المال كما عكسه النقاش، أن الخروج من الأزمة يبدأ بالاعتراف بها. فلبنان، وفق تعبيره، عاش سنوات من الحلول الترقيعية، من دفع مبالغ شهرية محدودة، إلى الإبقاء على "مصارف زومبي" من دون معالجة جذرية. وهذا المسار، في رأيه، لم يعد قابلا للاستمرار.

Link Whatsapp