Search Icon

"عريضـة المغتربين" تخالف الأصول .. فتسقط الورقة الأميركية: نقاش يمهدّ لموقف رسمي موحّد

منذ 5 ساعات

من الصحف

عريضـة المغتربين تخالف الأصول .. فتسقط الورقة الأميركية: نقاش يمهدّ لموقف رسمي موحّد

الاحداث- كتبت صحيفة "الجمهورية": يقترب لبنان شيئاً فشيئاً من السّقوط في المحظور، مدفوعاً بشرارات داخلية وخارجية بدأت تُشعل جمراً حارقاً تحت رماد الملفات الخلافية، وتوفّر الظروف الموضوعية لإدخال الحلبة السياسية في اشتباك يبدو حتمياً بين مكونات الداخل واصطفافاته، ومجهول الإمتدادات والتداعيات. ولا يختلف اثنان على أنّ الوضع العام في لبنان يترنّح أصلاً على حافة الهاوية، تبعاً لحجم التحدّيات والضغوطات التي يتعرّض لها من الداخل والخارج في آن معاً، ولبنك الخلافات السياسيّة الطافح بالاحتمالات الصعبة وبرصيد كبير من التناقضات والإنقسامات العميقة والرؤى المتصادمة في شتى المجالات، والذي تؤشر أجواء الأطراف الداخلية إلى اندفاعة نحو تسييل موجودات «بنك الخلافات» كوقود للمعركة حول الملفين المشتعلين؛ قانون الانتخابات النيابية، وسلاح «حزب الله».

جولة أولى

إرادة الإشتباك حول الملف الانتخابي، تجلّت بالأمس، في جولة شهدها المجلس النيابي، سعى من خلالها نواب حزب «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» ومجموعة مَن يصنّفون أنفسهم في خانة السياديّين، إلى تمرير عريضة نيابية، تُلزم في مضمونها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بإدراج اقتراح قانون يجيز للمغتربين التصويت لكل نواب المجلس، وليس للنواب الستة على مستوى القارات الست، الذين يخصّصهم قانون الانتخابات النيابية الحالي للبنانيين غير المقيمين، في الانتخابات النيابية المقبلة.

الّا انّ هذه العريضة أُحبطت، كونها لم تسلك مسارها القانوني نحو هيئة مكتب مجلس النواب وفق ما ينص النظام الداخلي للمجلس. وكان برّي واضحاً في ردّه على اصحاب العريضة الذين هدّدوا بالانسحاب من الجلسة التشريعية وتطيير النصاب، حيث قال: «لم نتسلم العريضة، ولم تصلنا، وعندما تصلنا نتعامل معها وفقاً للاصول. فلا تهدّدونا، والجلسة ماشية من دون تهديد». وبالفعل انسحب نواب «القوات» و«الكتائب» و«التغيير» من الجلسة، الّا أنّ ذلك لم يؤد إلى فرط نصاب الجلسة التي استمرت وأقرّت مجموعة من البنود. واللافت في هذا السياق، هو مسارعة بعض النواب المنسحبين إلى الإنضمام الى الجلسة من جديد، بعدما أخفقت محاولة تطييرها وفرط نصابها.

اشتباك محضّر مسبقاً

ووفق مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ الساعات السابقة لانعقاد الجلسة التشريعية شهدت سلسلة من النقاشات حول العريضة ومراميها، وثمة تساؤلات أُثيرت حول توقيت طرحها والغاية منها، في وقت انّ ملف الانتخابات النيابية يُدرس في لجنة مختصة حول هذا الأمر، وأمامها 6 اقتراحات قوانين مرتبطة بالملف الانتخابي، ومن بينها اقتراح قانون بذات المضمون الذي بُنيت عليه العريضة النيابية والتي حملت توقيعات ما يزيد عن 65 نائباً.

وبحسب معلومات المصادر الموثوقة، فإنّ تنبيهات أُسديت لأصحاب العريضة من قبل نواب وسياسيين وخبراء في الدستور والقانون، تفيد بأنّ العريضة تفتقر إلى السند الصلب لها قانونياً، كونها مثارة في الإعلام، من دون أن تُقدّم إلى حيث يجب ان تُقدَّم، أيّ إلى هيئة مكتب مجلس النواب التي تدرسها وتتخذ القرار في شأنها. كما انّ بعض الخبراء القانونيين نصحوا بتجنّب استفزاز رئيس المجلس في أمر يخصّ صلاحياته، عبر محاولة ابتداع طريقة جديدة في التشريع، تقوم على فرض إدراج القوانين في جدول أعمال الهيئة العامة بالإكراه خلافاً للآلية المحددة في النظام الداخلي لمجلس النواب، فهذا الامر لا يمكن ان يستقيم ونتيجته الفشل المسبق، وخصوصاً أنّ الرئيس بري معروف عنه تصلّبه في هذا الخصوص.

ولم تؤكّد المصادر او تنفِ ما تردّد عن وجود عامل خارجي داعم للعريضة، بدليل التشكيلة النيابية المتعددة الاتجاهات وقعت عليها، الّا انّها لفتت إلى انّ مداخلات صديقة لأصحاب العريضة جرت معهم في الساعات السابقة للجلسة، ونصحت بتجنّب الدخول في معركة خاسرة سلفاً عبر تعلية نبرة الإثارة السياسيّة والإعلامية حول العريضة، وخصوصاً انّ طريق تمريرها مقطوع وليس في الإمكان تحقيقه، وبالتالي من الضروري الآن تأجيل المشكل، خصوصاً أنّ معركة أخرى وكبرى تنتظركم في المدى المنظور، وتحديداً حول ملف سلاح «حزب الله». إلّا انّ هذه النصيحة لم تلق التجاوب الكلّي معها، حيث كشفت المصادر الموثوقة عن اجتماع عقده أحد رؤساء الأحزاب المتبنية للعريضة، حيث أكّد أمام النواب المجتمعين على ما مفاده أنّ العريضة يجب أن نصرّ على إثارتها في الجلسة، رغم انّها لن تمرّ، فإن قُدّر وسلكت نكون قد حققنا إنجازاً كبيراً، واما إنْ لم تسلك، فنكون بذلك قد سجّلنا نقطة سياسية، سواء بالنسبة إلى الداخل او بالنسبة إلى المغتربين.

وعلمت «الجمهورية»، أنّ الأجواء التي سبقت انعقاد الجلسة كانت تنذر بتفجيرها سياسياً، ما استدعى اتصالات مكثفة جرت عشية الجلسة وشملت اتجاهات وكتلاً نيابية مختلفة، تولّاها «احد الوسطاء»، بهدف نزع فتيل التصعيد السياسي في الجلسة، وتزامنت مع مشاورات على غير صعيد سياسي ونيابي ومجلسي، أفضت إلى أمرين؛ الاول، الاستعداد لمقابلة التصعيد إنْ خرج عن مساره السياسي وتعدّاه إلى الشخصي، بما يقابله بذات النبرة وأكثر. والثاني، الاستعداد لإحباط هجوم العريضة بالتسلّح اولاً، بمنطق الاصول والقانون والنظام، وثانياً تجنّب الإستدراج الى حلبة السجال التي يريدونها.

الجلسة إلى اليوم

وكانت الجلسة التشريعية قد انعقدت في الحادية عشرة قبل ظهر أمس، برئاسة الرئيس بري، في جولة نهارية كان مقرراً ان تستتبعها جولة مسائية، الّا انّ عدم توفر النصاب القانوني (حضر فقط 53 نائباً) حال دون انعقادها فأرجأها الرئيس بري إلى اليوم.

وكانت قد شهدت الجلسة نقاشاً حول العريضة النيابية والإقتراح المتعلق بإشراك المغتربين في الانتخاب لكل أعضاء المجلس، فشل خلاله نواب «القوات» و«الكتائب» و«التغيير» في تمرير العريضة وإدراج الاقتراح في جدول اعمال الجلسة، حيث رفض بري هذا الأمر، معتبراً «اننا لم نتسلّم العريضة، وعندما نتسلّمها نتعاطى معها وفق الاصول». ما حدا بهؤلاء النواب أن انسحبوا من القاعة العامة للمجلس في محاولة لتطيير الجلسة وإفقادها النصاب القانوني، الّا انّ هذه المحاولة فشلت، واستمرت الجلسة بنصاب يزيد عن نصاب انعقادها القانوني (65 نائباً)، حيث أقرّت:

• تعديل وإلغاء مواد القانون الصادر بالمرسوم رقم 56 تاريخ 11/3/2025 (الموازنة العامة للعام 2025).

• إبرام اتفاقية قرض مع البنك الدولي لتنفيذ مشروع الطاقة المتجددة في لبنان بأكثرية 45 صوتاً، واعتراض 18 وامتناع 6 نواب.

• مشروع القانون المعجّل الوارد بالمرسوم 385 والرامي لفتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة لعام 2025 في باب وزارة التربية والتعليم العالي، لإعطاء مساهمة لصندوق التعاضد لأفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية لتغطية المساعدات الاجتماعية والصحية. وأقرّ 1500 مليار ليرة لصندوق تعاضد القضاة وفق الصيغة التي اقرّتها لجنة المال والموازنة.

• إعفاء المتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان من الرسوم والحقوق والواجبات الضريبية.

الورقة الأميركية

وفي الجانب الداخلي الآخر، تتموضع الورقة الأميركية التي طرحها الموفد الأميركي توماس برّاك على طاولة النقاش الرسمي، لبلورة جواب لبنان حول مضامينها المرتبطة بسحب سلاح «حزب الله» ووقف الحرب الإسرائيلية على لبنان. وضمن هذا السياق أتى الإجتماع الذي عُقد في الساعات الأخيرة بين ممثلين عن رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام.

وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّه بعد المشاورات العلنية وغير العلنيّة بين الرؤساء حول الورقة الأميركية، وكذلك مع الطرف الأساسي المعني بالورقة أي «حزب الله»، تقرّر ان يُصار إلى دراسة مفصّلة للورقة الأميركية بكل مراميها وأبعادها وتأثيراتها، ومتأنية للجواب اللبناني الذي سيتمّ إبلاغه للموفد الأميركي في زيارته الثانية المقرّرة إلى بيروت، وصياغته بصورة تراعي كل الاعتبارات والضرورات ومصلحة لبنان واستقراره بالدرجة الاولى».

ولم يحدّد مصدر معني بالورقة الأميركية موعداً لوضع أسس الجواب اللبناني، لأنّ الأمر دقيق للغاية، وقال لـ«الجمهورية»: «أشيع الكثير حول الطرح الاميركي، وانّ لبنان ملزَم بالتجاوب مع مضمونها، وانّ ثمة اتفاقات مبدئية قد تمّ بلوغها، ولاسيما في ما يتعلق بسلاح «حزب الله»، فكل ذلك ليس دقيقاً، ومن شأنه التشويش وتعقيد الامور أكثر مما هي معقّدة. هناك طرح أميركي، لا اقول انّه قد يؤدي إلى حل سريع أو قد يؤدي الى مشكل، فالطرح قيد النقاش، والمسألة ليست بسيطة، وموضوع السلاح تحديداً ليس بالسهولة التي يتحدّث عنها البعض، بل هو بالغ التعقيد، وأفقه ليس واضحاً، علماً انّه قد سبق لرئيس الجمهورية أن حدّد المسار المتعلق بحسم قضية السلاح».

ورداً على سؤال، اكّد المصدر انّ «التوجّه الطبيعي من النقاش الجاري، هو التمهيد لموقف سيصدر بإجماع الرؤساء الثلاثة، وما يهمّ لبنان، هو الاستقرار الداخلي، وبدرجة أولى، وقف العدوان الإسرائيلي عليه، وإلزام اسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة والالتزام باتفاق وقف اطلاق النار».

مصاعب

الّا انّ مصدراً آخر معنياً بالورقة الأميركية، عبّر عن أجواء تشاؤمية حيال ملف السلاح، وخصوصاً في ظل ما سمّاه «الموقف المتصلّب لـ«حزب الله»، ولاسيما الموقف الأخير لأمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الذي ردّ بصورة مباشرة على طلب سحب سلاح الحزب بقوله: «هل هناك أحد عنده عقل ويفكر بسحب السلاح».

وقال المصدر انّ مصاعب وتعقيدات كبرى في الطريق، ولا يبدو انّ «حزب الله» في وارد التراجع عن موقفه او تليينه، وهذا يعني انّ الأفق مفتوح على ضغوط قد تُمارس على لبنان، وبالأصح ضغطاً مزدوجاً، من قبل الأميركيين من جهة، ومن قبل الإسرائيليين، عبر تصعيد اعتداءاتهم. نحن في موقف حرج، والإسرائيلي يتعامل مع لبنان كخاصرة رخوة يستطيع ان يفعل فيها ما يشاء».

إلى ذلك، ورداً على سؤال لـ«الجمهورية» حول ما أعلنه برّاك من أنّ السلام بين لبنان وإسرائيل بات ضرورياً، وما كشفه وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر بأنّ اسرائيل تسعى إلى سلام مع لبنان، قال مرجع كبير لـ«الجمهورية»: «لا يوجد سبيل للسلام مع إسرائيل. فالسلام مع إسرائيل يعني الاستسلام لها، وهذا ما يريدونه، ولذلك يبتزوننا بالضغوط وبالاقتصاد وبمنع إعادة الإعمار وبالعدوان وبالاغتيالات المتواصلة، ونحن بالتأكيد لن نستسلم».

عون

إلى ذلك، أبلغ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون القائد الجديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب الجنرال ديوداتو ابنيارا، انّ «الظروف الراهنة في لبنان والمنطقة تفرض الآن اكثر من أي وقت مضى، بقاء القوات الدولية في الجنوب لتعمل مع الجيش اللبناني على المحافظة على الاستقرار والأمن فيه الذي هو جزء لا يتجزأ من الاستقرار في المنطقة».

واعتبر الرئيس عون انّ «استمرار الأعمال العدائية الإسرائيلية واحتلال التلال الخمس وعدم إطلاق الأسرى اللبنانيين، تشكّل انتهاكاً صريحاً لإرادة المجتمع الدولي في تطبيق قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701 بكل مندرجاته». وأكّد «أهمية الشراكة بين «اليونيفيل» والجيش اللبناني»، وقال إنّ «العمل جار لزيادة عدد أفراد الجيش في الجنوب لتعزيز الاستقرار وتأمين الطمأنينة والأمان».