الاحداث- كتبت صحيفة "الديار": بعد ايام على تجنيد الاعلام الاسرائيلي لتمهيد الارضية للتصعيد، رفعت قوات الاحتلال منسوب اعتداءاتها الجوية،الاخطر منذ شهر ونصف، مستهدفة العديد من القرى الجنوبية، مستعيدة الخرائط الحمراء «المشؤمة»، لاثارة الذعر بين المدنيين، ورفع حدة الضغوط على الدولة اللبنانية. واذا كانت المزاعم الاسرائيلية تتحدث عن اهداف ميدانية للمقاومة جرى استهدافها، وتتوعد بالمزيد من الضربات» اذا لم يتم نزع سلاح حزب الله»، فان رئيس الجمهورية جوزاف عون وضع «النقاط على الحروف» بالتاكيد ان «اسرائيل» تعتدي على لبنان رفضا لكل الدعوات الى التفاوض، واعتبر ان «الرسالة» قد وصلت.
في المقابل ذهب قائد الجيش العماد رودولف هيكل الى ابعد من ذلك، واقترح على مجلس الوزراء تجميد العمل بخطة «حصر السلاح» طالما ان «اسرائيل» مستمرة في اعتداءاتها، دون ان تأخذ الحكومة بأقتراحه، وقد اكد في تقريره الشهري على استمرار تعاون حزب الله فيما تعيق قوات الاحتلال عمل الجيش الذي رفضت قيادته، في «رسالة» تحدي، اخلاء ثكنة الشهيد محمد فرحات في بلدة كفردونين على الرغم من الحاح قوات «اليونيفيل» على ذلك بعد انذار اسرائيلي، علما انها لم تكن بعيدة اكثر من 200 متر عن موقع الغارة الاسرائيلية.
لماذا «الكتاب المفتوح»
وربطا بهذه التطورات، كان حزب الله قد اصدر صباحا «كتابا» مفتوحا وجهه الى الرؤساء الثلاثة، والشعب اللبناني، يوضح موقفه من ملف التفاوض المقترح مع «اسرائيل»، محذرا من الافخاخ التي تنصب للبنان، ووفق مصادر مطلعة، لم يكن البيان تصعيديا بوجه احد، وانما يعبرعن موقف الحزب غير المعني باي تفاوض سياسي، وقد اختارت قيادة المقاومة اعتماد هذه «الالية» لتكون وثيقة دقيقة غير قابلة للتأويل، في ظرف شديد الدقة والخطورة.
قرار الحكومة لن يغير القانون؟
اما مجلس الوزراء، فقد اختار اعتماد التصويت على تعديل قانون الانتخاب، متبنيا بـ17 صوتا اعادة العمل بتصويت المغتربين لـ128 نائبا، مقابل اعتراض الوزراء الشيعة الخمسة، لكنه ربط ارسال مشروع القانون الى المجلس النيابي بانتهاء دراسة المشاريع المعروضة على اللجان الفرعية، وقد لفتت مصادر نيابية، الى ان هذا الانحياز السياسي في مواجهة «الثنائي» لن يترجم على ارض الواقع تغييرا في القانون، لان رئيس المجلس النيابي يملك الادوات القانونية التي تمنع ذلك، لكن البلاد تدخل عمليا في معركة سياسية قاسية ستتصاعد مع اقتراب الاستحقاق النيابي.
عون : الرسالة وصلت
وفي موقف لافت، ازاء التصعيد الإسرائيلي الذي طال المناطق الجنوبية، قال رئيس الجمهورية العماد جوزف عون: «إن ما قامت به إسرائيل في جنوب لبنان يعد جريمة مكتملة الأركان ليس فقط وفقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني الذي يجرّم استهداف المدنيين وترويعهم وإجبارهم على النزوح من ديارهم، بل يعد كذلك جريمة سياسية نكراء، فكلّما عبر لبنان عن انفتاحه على نهج التفاوض السلمي لحل القضايا العالقة مع إسرائيل كلما أمعنت في عدوانها على السيادة اللبنانية وتباهت باستهانتها بقرار مجلس الأمن رقم 1701 وتمادت في خرقها لالتزاماتها بمقتضى تفاهم وقف الأعمال العدائية. وتابع عون: مرّ قرابة العام منذ دخل وقف إطلاق النار حيّز النفاذ وخلال تلك الفترة لم تدّخر إسرائيل جهدًا لإظهار رفضها لأي تسوية تفاوضية بين البلدين… وصلت رسالتكم».
النموذج السوري؟
وفي هذا السياق، تشير اوساط سياسية بارزة الى ان هذا التصعيد ياتي عشية استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في البيت الأبيض، واذا كان وزير الخارجية اسعد الشيباني، يحاول الايحاء بوجود ندية في العلاقة بين الطرفين، باعتبار «انها الزيارة الاولى لرئيس سوري منذ 70 عاما لإعادة بناء العلاقات بين دمشق وواشنطن، وتفتح صفحة جديدة بين البلدين، مؤكداً رغبة سوريا في شراكة قوية جداً مع الولايات المتحدة»..فان «المكتوب يقرأ من عنوانه»، فهذه الخطوة هي مقدمة للاعلان عن توقيع اتفاق امني مجحف بين سوريا «واسرائيل»، يمنح دولة الاحتلال اليد الطولى على مساحة الجغرافيا السورية، مع الاحتفاظ بكل المواقع التي تم احتلالها بعد سقوط النظام السابق، مع تدخل في كل مناحي تشكيلات الجيش السوري وتسليحه وتموضعه حيث تصل المنطقة المنزوعة السلاح الى حدود العاصمة السورية، كمقدمة «للسلام» الذي يروج له ترامب في المنطقة، وسيكرس انتقال سوريا الى المحور الاميركي مقابل رفع الشرع عن قوائم الإرهاب الدولية، بعد رفعها اميركيا، وإلغاء قانون قيصر، تزامنا مع وعود باستثمارات خليجية تتصدرها السعودية وقطر، مقابل التطبيع ومناهضة المحور الايراني..
ضغوط «بالحديد والنار»
وهذا النموذج يراد له ان يكون «سيفا مسلطا» على الدولة اللبنانية التي يجري دفعها بقوة الحديد والنار للتسليم بالشروط الاسرائيلية غير القابلة للتفاوض، وتحاول «اسرائيل» رفع الضغوط الميدانية لوضع السلطة اللبنانية امام خيارات احلاها مر، ففي الجولة الدبلوماسية الاميركية المقبلة، سيكون الاتفاق السوري- الاسرائيلي على «الطاولة» وسيقدم كمثال يحتذى للخلاص من الوضع القائم، واذا استمر الرفض سيترك لبنان لمصيره ليواجه التصعيد الاسرائيلي غير المحدود في الزمان والمكان.
ما هي خيارات «اسرائيل»؟
وفي سياق استمرار «التهويل»، أعلنت القناة 12 الإسرائيلية أنّ «الجيش الإسرائيلي يستعد لتدخل عسكري في لبنان بهدف إضعاف حزب الله. وأشارت الى أنّ «التدخل الإسرائيلي في لبنان هدفه دفع الحكومة اللبنانية إلى توقيع «اتفاقية مستقرة» مع إسرائيل». وقالت ان «إسرائيل حددت موعدًا لانتهاء مهلة للحكومة اللبنانية لازدياد وتيرة عمليات نزع سلاح حزب الله والرقابة العسكرية تمنع نشر الموعد.
من جهتها اكدت صحيفة «معاريف» الاسرائيلية، انه في هذه الساعة، يبدو أن «إسرائيل» وأميركا قررتا تصعيد الضغط على بيروت. «إسرائيل» تشدد أعمالها وليست مستعدة لاتخاذ خطوات قد تساعد الحكم اللبناني في التقدم. مثلاً، انسحاب جزئي أو كامل من المواقع الخمسة في جنوب لبنان. والولايات المتحدة تساندها في ذلك. ووفقا لمعلومات الصحيفة، أمام إسرائيل ثلاثة خيارات: الأول، الإبقاء على الوضع الراهن. استمرار الضغط العسكري – السياسي على حكومة لبنان، على أمل أن يفعل هو فعله دون الوصول إلى تصعيد أوسع مما ينبغي. وثمة منطق في ذلك، لكن الساعة السياسية تدق، في بيروت (ستكون انتخابات للبرلمان في أيار)، وعلى ما يبدو في «اسرائيل» أيضاً.
ماذا يريد ترامب؟
أما الإمكانية الثانية، فهي احتدام كبير وتوسيع القتال..لكن ليس واضحاً إذا كان ترامب سيؤيد ذلك، بعد «تحقيق السلام» في قطاع غزة، والتداعيات الإقليمية الواسعة ليست واضحة. وكذلك من غير الواضح ان كان سيؤدي ذلك الى اضعاف الحكم اللبناني وربما انهياره. أما الإمكانية الثالثة، خطوات سياسية لتشجيع الحكم اللبناني على التقدم، تزامنا مع استمرار الضغط العسكري.
تحدي التفاوض
وبراي الصحيفة «قد تقبل إسرائيل التحدي الذي طرحه الرئيس عون في شكل استعداد لاستئناف المفاوضات في مسائل الحدود لان نجاح مثل هذه المفاوضات ربما يخلق ضغطاً فاعلاً للتقدم في نزع سلاح حزب الله لانه يجب الاقرار بان مسيرة نزعه معقدة ويجب تضمينها جوانب سياسية».
تسريح الاحتياط؟!
وفي مؤشر لافت، يتناقض مع لهجة التصعيد الاسرائيلية ذكرت صحيفة «يديعوت أحرنوت» انه لأول مرة منذ هجوم 7 أكتوبر، وبعد التوصل الى اتفاق وقف النار في غزة، بدأت «إسرائيل» تقليصا واسع النطاق لقوات الاحتياط، ما يمثل تحولًا من العمليات الحربية إلى روتين أمني مكثف على طول الحدود! ونقلت الصحيفة عن الجيش الإسرائيلي، أنه سيتم سحب نحو لواءين ونصف من قوات الاحتياط من المهام الدفاعية، دون أن توضح أماكن انتشارهم أو الجبهات التي يشملها القرار، وأشارت إلى أن الجيش سيستبدل لواءين احتياطيين بآخرين نظاميين على الحدود الشمالية في نهاية الأسبوع، كما ستحل كتائب من لواءي «غفعاتي» و»كفير» مكان قوات الاحتياط في الضفة الغربية. وأشارت إلى أن تخفيضا أوسع في قوات الاحتياط سيجري في كانون الأول المقبل، من أجل منح عشرات آلاف الجنود استراحة ضرورية، بعد قضائهم عدة أشهر بعيدا عن منازلهم. وتوقعت «يديعوت أحرنوت» أن يصل التوازن بين القوات النظامية والاحتياطية في المهام الدفاعية في الأشهر المقبلة إلى نسبة 50 في المئة لكل منهما، قبل أن تميل الكفة أكثر لصالح القوات النظامية العام المقبل.
«العربدة» الاسرائيلية
وبدأ شريط التصعيد، من خلال تحذيرات اطلقها الناطق باسم جيش العدو افيخاي ادرعي عبر منصة «اكس» أنذر فيها سكان قريتي الطيبة وطيردبا بضرورة إخلاء المناطق المحددة في الخرائط المرفقة، كما انذر سكان بلدة عيتا الجبل قضاء بنت جبيل، زاعما انها مراكز لحزب الله، بعدها بدا جيش العدو شن سلسلة غارات على المباني المدنية. وبعد انذار إلى سكان زوطر الشرقية، نفذ الطيران الحربي الاسرائيلي في الخامسة والربع من عصر امس غارة جوية مستهدفة منزلا في البلدة ، وتكرر الامر في كفردونين، حيث تم استهداف احد المباني في المنطقة. ومساء امس، شنت طائرة مسيّرة إسرائيليّة غارة على بلدة عيترون. وبحسب المعلومات، فإنّ الغارة استهدفت «حفارة» في البلدة. وكان طيران العدو اغار ظهرا على المنطقة الواقعة بين بلدتي طورا والعباسية – حي الوادي، ودون سابق انذار، ما ادى الى استشهاد مواطن وإصابة ثمانية آخرين بجروح. وكانت مسيّرة اسرائيلية ألقت قنبلة على شاطئ رأس الناقورة.كما سجّل تحليق لطيران العدو في اجواء الهرمل وقرى البقاع الشمالي.
التنسيق مع الاميركيين
ونقلت هيئة البث الاسرائيلية عن مسؤول عسكري كبير قوله أن «إسرائيل» لا تنوي التصعيد في لبنان ولا تعليمات خاصة لسكان الشمال، وزعم كبار مسؤولي جيش العدو لهيئة البث، أن «الهجمات التي شُنت خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية تهدف إلى تمكين إسرائيل من تحقيق هدفها الطموح المتمثل في نزع سلاح حزب الله، واشاروا الى ان الهجمات تُنفذ بالتنسيق مع الأميركيين، المتمركزين بشكل دائم في قاعدة القيادة الشمالية منذ وقف إطلاق النار.
التصعيد يهدد الاتفاق
واصدرت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني بيانا، اكدت فيه ان العدو اطلق موجة واسعة من الاعتداءات في الجنوب، مستهدفًا عدة مناطق وبلدات. إن هذه الاعتداءات المدانة هي استمرار لنهج العدو التدميري الذي يهدف إلى ضرب استقرار لبنان وتوسيع الدمار في الجنوب، وإدامة الحرب وإبقاء التهديد قائمًا ضد اللبنانيين، إضافة إلى منع استكمال انتشار الجيش تنفيذًا لاتفاق وقف الأعمال العدائية.
كتاب حزب الله «المفتوح»
في هذا الوقت، وجه حزب الله كتابا مفتوحا الى الرؤساء الثلاثة والشعب اللبناني، قال فيه ان «التورط والانزلاق إلى أفخاخ تفاوضية مطروحة، فيه المزيد من المكتسبات لمصلحة العدو الإسرائيلي الذي يأخذ دائماً ولا يلتزم بما عليه، بل لا يعطي شيئاً».. وقال «إن لبنان معني راهناً بوقف العدوان بموجب نص إعلان وقف النار والضغط على العدو الصهيوني للالتزام بتنفيذه، وليس معنياً على الإطلاق بالخضوع للابتزاز العدواني والاستدراج نحو تفاوض سياسي مع العدو الصهيوني على الإطلاق، فذلك ما لا مصلحة وطنية فيه وينطوي على مخاطر وجودية تهدد الكيان اللبناني وسيادته». واشار الى ان «موضوع حصرية السلاح لا يبحث استجابة لطلب أجنبي أو ابتزاز إسرائيلي وإنما يناقش في إطار وطني يتم التوافق فيه على استراتيجية شاملة للأمن والدفاع وحماية السيادة الوطنية. وليكن معلوماً لكل اللبنانيين أن العدو الإسرائيلي لا يستهدف حزب الله وحده، وإنما يستهدف لبنان بكل مكوناته، كما يستهدف انتزاع كل قدرة للبنان على رفض المطالب الابتزازية للكيان الصهيوني، وفرض الإذعان لسياساته ومصالحه في لبنان والمنطقة. وهو ما يتطلب وقفة وطنية موحدة وعزيزة تفرض احترام بلدنا وشعبنا وتحمي سيادة لبنان وكرامته». واعلن ان «بصفتنا مكونا مؤسسا للبنان الذي التزمناه وطناً نهائياً لجميع أبنائه، نؤكد حقنا المشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان والوقوف إلى جانب جيشنا وشعبنا لحماية سيادة بلدنا، ولا يندرج الدفاع المشروع تحت عنوان قرار السلم أو قرار الحرب، بل نمارس حقنا في الدفاع ضد عدو يفرض الحرب على بلدنا ولا يوقف اعتداءاته بل يريد إخضاع دولتنا.