Search Icon

قراءة اميركية "متدرجة" تنحو  إلى "حبس الانفاس" !

منذ يوم

من الصحف

قراءة اميركية متدرجة تنحو  إلى حبس الانفاس !

الاحداث – كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"مع كل مهلة أميركية جديدة تُعطى للبنان تبدو مرحلة الإنفراجات قصيرة، قبل أن يستعيد مرحلة حبس الأنفاس. وكل ذلك قائم في انتظار فهم القراءتين الأميركية والإسرائيلية للاقتراحات اللبنانية في آن. فتمديد إقامة بنيامين نتنياهو في واشنطن للقاءٍ ثانٍ مع ترامب له هدف يمسّ الوضع في لبنان وغزة، فيما وضعت المفاوضات الإيرانية - الأميركية على نار باردة، وسيطول انتظارها، في وقت وضعت الملفات الأخرى على نار حامية. وعليه، ما هي المؤشرات التي تقود إلى هذه المعادلة؟
لم يعد هناك أي شك انّ مرحلة القراءة الإيجابية الأولى للمواقف التي أطلقها الموفد الرئاسي الأميركي إلى سوريا ولبنان توماس برّاك خلال  زيارته الثانية لبيروت قد تراجعت إلى الحدّ الأدنى، بعد التعمّق في كثير من المعادلات التي أطلقها دفعة واحدة، وهي تحتمل أكثر من تفسير على طرفي نقيض. بالإضافة إلى ما أبرزته المراجعة السريعة لمجموعة المواقف والتطورات التي تلت الزيارة، ما أجبر القرّاء السياسيين الديبلوماسيين على معاودة قراءة النتائج بنحو مغاير ومن زوايا مختلفة، دفعت إلى مزيد من القلق المتدرج نحو اعتبار أنّ ما طُرح لم يتغيّر ولو بأسلوب مختلف عن أسلافه، بفارق وحيد إن تبيّن أنّ ما طرحه بات من آخر العروض التي يمكن أن ينالها لبنان، وانّ تفويتها يُعدّ إهداراً لفرصة نادرة قد لا تتكرّر.
عند هذه الملاحظات الدقيقة، تقاطعت القراءات السياسية والديبلوماسية لزيارة برّاك البيروتية. وجاءت الساعات التي تلتها لتقلب الصورة بنحو متدرّج إلى مزيدٍ من الحذر الملزم في التعاطي مع الأدارة الأميركية في ظلّ الظروف الراهنة في المنطقة، وخصوصاً انّها لم تحمل أي إشارة إلى وجود أي قوة فيها يمكن أن تواجه مجموعة من الاقتراحات الشاملة التي ظهر أنّها تهدف إلى معالجة رزمة مشكلات، دفعت او تسببت بمسلسل الحروب العربية – الإسرائيلية، ولا سيما منها الفلسطينية قبل ان تتمدّد إلى مساحات أوسع حتى بلغت إيران واليمن والعراق ومَن معهم في "محور الممانعة". وما زاد من هذا الاقتناع، انّ المساعي الأميركية كشفت عن وجود أكثر من خطة واسعة تعيد النظر في العلاقات بين دول شرق المتوسط، وقد تكون أبعد من ذلك إن ظهر أنّها رقعة من رؤية دولية جديدة تطاول العلاقات بين معظم الدول، لتتجاوز تلقائياً الشرق الأوسط بكامله، بعدما فتحت ملفاتها جميعاً وكأنّها في مجسم واحد على طاولة أميركية واحدة، وقد فرضت فرزاً جديداً لم يعد خافياً على أحد في أنحاء العالم، وإعادة توزيع للأدوار على مستوى الموفدين الرئاسيين الأميركيين إلى المنطقة.
على هذه الخلفيات توسعت مراجع ديبلوماسية وسياسية في تقديم رؤية جديدة للاستراتيجية الأميركية في المنطقة، فرأت ضرورة التوقف عند البعض منها على سبيل المثال لا الحصر.
- ظهر في الأمس القريب أنّ ضمّ ملف لبنان إلى مهمّة الموفد الرئاسي الأميركي إلى سوريا توم برّاك، كشف عن الحاجة إلى معالجة مجموعة من الأزمات المتشابكة بين دول المنطقة، وأقلها المشكلات الحدودية بين لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة. وإنّ اي اتفاق على المسار الإسرائيلي -  السوري إن سبق اي مسار آخر، يلزم أي وسيط أميركي بمعالجة عِقَد مشتركة، كتلك المرتبطة بمثلث الحدود السورية - اللبنانية ـ الإسرائيلية في الغجر والمزارع المحيطة بها. والأمر نفسه ينسحب إن طاول البحث الحدود البحرية بين سوريا ولبنان، كما في حال سيطاول الحدود المرسومة مع قبرص، وربما طاولت حدود المنطقة الاقتصادية مع إسرائيل. وإنّ أي تقدّم على أي مسار يُلزم بتفاهمات مع المسارات الأخرى.
- لم يعد خافياً على أحد انّ "الطحشة" الأميركية منسقة مع بقية أطراف "الحلف الدولي"، الذي يضمّ بالإضافة إلى إسرائيل مجموعة كبيرة من الدول التي تخوض المواجهة على جبهتي "الإرهاب الدولي" من جهة و"محور الممانعة" من جهة أخرى. وخير دليل إلى انّ المواجهة التي انطلقت من قطاع غزة ولبنان على سبيل "الإلهاء والإسناد" امتدت تلقائياً إلى الدول التي جمعتها إيران في ما سمّته "وحدة الساحات"، فتوسعت الحروب بتدرج – عن قصد قادة محور الممانعة أو عدمه - إلى أن طاولت ساحات مباشرة، فانتشرت بزلازلها إلى ساحات سوريا واليمن والعراق بعد لبنان وغزة، إلى أن بلغت قلب المحور في طهران. وإنّ ما انتهت اليها هذه الحروب المتناسلة بتدرج، وما أنتجته من وقائع جديدة، خير دليل إلى حجم المواجهة ومساحته، على رغم من انّ احداً من أطرافها لم يكن يحتسبها قبل أن يُستدرجوا اليها ساحة بعد أخرى.
وانطلاقاً من هذه الوقائع التي تؤكّدها كل المؤشرات الثابتة، تضيف المراجع العليمة، أنّ سرعة التطورات لم تسمح بقراءة هادئة لكل منها، قبل أن تظهر الخطط الاستراتيجية المرسومة للمنطقة، والتي وضعت على نار حامية واحدة بعد أخرى. فالتردّد الإيراني في استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية سمح بتفرّغ الموفدين الأميركيين لمعالجة الأزمات التي كانت تخوضها أذرع إيران في المنطقة، فتلاحقت المعالجات للأزمة السورية، وكأنّ ما رُسم لها بات على الأبواب، ومعها برزت المساعي الأميركية لمعالجة سريعة للوضع في لبنان، أياً كانت التعقيدات الداخلية، بالإصرار على آلية للحل لا تتوقف عند حدود مواقف أي طرف داخلي.
ولذلك، حضر برّاك لمهمّة موقتة له، بما يعني لبنان أضيفت إلى الملف السوري، ليبقى ما يستحق التوقف عنده انّه حصر علاقاته بالمسؤولين اللبنانيين دون سواهم. ومن هنا فُهم انّه امتعض من تسلّمه مذكرة تتحدث عن ملاحظات "الثنائي الشيعي" ممثلاً بحركة "امل" و"حزب الله"، بعدما تسلّم ورقة موحّدة من رئيس الجمهورية. ولذلك أصرّ على رؤيته المستندة إلى انّ كل ما يتعلق بالإصلاحات المطلوبة في لبنان على انواعها هي مهمّة لبنانية، ولا يلعب لا هو ولا غيره سوى دور المسهل إن رغبت السلطة اللبنانية بذلك. كما اعتبر انّ مسألة جمع السلاح غير الشرعي اياً كانت هويته لبنانياً أو فلسطينياً، بات على عاتق المسؤولين اللبنانيين، وانّه لن يتعاطى الّا مع ما يطرحه أركان الحكم، بدءاً بما يُلقى على عاتق الحكومة اللبنانية ممثلة برئيسها نواف سلام بالتنسيق والتفاهم الذي كشف عنه شخصياً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبرعاية رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي منحه الدستور صلاحية إجراء المفاوضات في شأن المعاهدات الدولية، بما يضمن تفهمّاً مبنياً على التفاهم مع السلطة السورية الجديدة قياساً على الحوار الجاري مع أركانها، والتي استُؤنفت أمس بين برّاك والمسؤولين السوريين، سعياً الى صيغة تعيد بناء ما انقطع بين لبنان وسوريا ودول المنطقة، بما فيها إسرائيل، لتكون الجهود الأميركية منصّبة على مواجهة ما هو مرسوم لها جميعاً. فلا حل للوضع في لبنان بمعزل عمّا هو مطلوب في سوريا وإسرائيل، وربما توصلاً إلى حل ما استعصى من عِقَد حتى اليوم في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين.
&&&&&&&&&&&&&&&&&