Search Icon

لبنان الخليط: قادة الجيش وقادة السياسة!

منذ 37 دقيقة

من الصحف

لبنان الخليط: قادة الجيش وقادة السياسة!

الاحداث- كتب نبيل بو منصف في صحيفة النهار يقول:"

لا تشبه هذه العاصفة العنيفة التي هبّت على لبنان في الأيام الأخيرة أيّ عاصفة مماثلة صالحة للمقارنات لجهة تظهير أسوأ اعتلال تراكمي بين الإدارة الأميركية والإدارة السياسية – العسكرية الرسمية الحالية للبنان. ربما فقط يمكن استعارة جانب من جوانب إدارة ظهر الولايات المتحدة الأميركية للبنان الغارق في فوضى الحروب، بعدما وصفه جورج شولتز، حين كان وزير الخارجية إبان ولاية رونالد ريغان، بأنه مستنقع، ولكن الأمر لا يستقيم تماماً مع التبدلات الهائلة التي حصلت بين زمنين وعصرين لم يعد مما يربط بينهما إلا القليل النادر. 

 

ولا حاجة بنا عبر استعراض التعرّجات التاريخية في علاقة البلد الصغير بأقوى  دولة في العالم إلى إعادة فلش أرشيف الموفدين والرسل الأميركيين إلى لبنان، الذي للمفارقة الرمزية والواقعية، "يحظى" اليوم بسفير أميركي من بلدة بسوس اللبنانية كما "حظي" بأقرب شخصية من الرئيس ترامب، توم براك الزحلي الأصل. ومع ذلك سيسجل في هذا الأرشيف التأريخي من الآن وصاعداً أن واشنطن وجّهت سهماً غير مسبوق إلى قائد الجيش اللبناني الجنرال رودولف هيكل، اهتزت على نصاله وقائع الوضع اللبناني الهش برمته، لأن ما اصطلح على تسميته "الصفعة" لم يكن الهدف الحصري أو المركزي لمطلقي السهم وإنما أولاً وأخيراً صاحب العهد الذي لم يكمل السنة الأولى من عهده بعد، وحتماً كل الحكومة بمعنى القيادة السياسية. 

والحال أن هذا التطور الحامل نذر أخطار تصاعد ضغوط غير مسبوقة على لبنان يعيد في باطنه التدقيق في تبعات ومسؤوليات ومسارات قادة الجيش في لبنان، بإزاء "السياسات السياسية"، منذ القديم حتى الساعة.

ليست المسألة قانونية دستورية صرفة بمعزل عن الوقائع الحقيقية المتصلة بعلاقات رؤساء الجمهورية والحكومة والطبقات السياسية المتعاقبة في لبنان مع الجيش وقادته، بل إن لبنان يعرف ظاهرة تحمل كل الغرائبيات منذ حقبة الاستقلال الأولى التي يصادف غداً 22 تشرين الثاني/نوفمبر عيد الاستقلال الموروث منها، حتى يومنا هذا. هي ظاهرة أن البلد الذي كان يوصف وحده بأنه درة الديموقراطية في الشرق العربي، جمع مع تلك الصفة واقع إيصال خمسة من قادة الجيش إلى قصر بعبدا وتوّجهم رؤساء للجمهورية.

هذه الخلطة في واقع معقد بدأت تتعاقب وتتكرر على وقع ثورات وحروب واضطرابات كما على وقع وصايات ومن ثم تسويات داخلية وخارجية. من فؤاد شهاب إلى جوزف عون، تظلل الظاهرة تاريخ التشابك بين السياسة والعسكر، فكيف يمكن فصل السياسة عن العسكر في زمن كزمننا، وفي تبعات تطورات خطيرة مثل مسار نزع سلاح "حزب الله" وصولاً إلى تلقي قائد الجيش الحالي أقسى ما تلقاه قائد عسكري قبله؟ 

ربما يصح التذكير بأن الجنرال إسكندر غانم الذي أقيل عام 1975 بتركيبة سياسية "مهذبة"، عجز الرئيس صائب سلام عن إقالته عام 1973 بعد عملية الكوماندوس الإسرائيلي في فردان حيث اغتالت قوة بقيادة إيهود باراك الذي تخفّى بلباس امرأة أربعة من القادة الفلسطينيين. استنفرت مطالبة الزعيم السنّي الكبير بإقالة "الزعيم غانم" (كانت تطلق على قائد الجيش كنية الزعيم) الموارنة الأقوياء فرفضوا الإقالة لئلا يكون غانم كبش محرقة فاستقال صائب سلام!

ليس الأمر نفسه الآن طبعاً ولا نعرف ما إن كان الأمر سيتطور إلى الكلام عن أكباش محارق، لكنها أولاً وأخيراً السياسات السياسية في المقام الأول تتحمّل التبعات الكبرى، وهي من عليها أن تنزل المآزق عن رأس الشجرة. فلنرَ!