الأحداث – القسم الاقتصادي
في خطوة تنذر بمزيد من العزلة المالية، أدرج الاتحاد الأوروبي لبنان رسميًا، اعتبارًا من اليوم 5 آب 2025، ضمن قائمة الدول “المقيّدة” في التعامل بعملة اليورو، وضمن “الدول عالية المخاطر” في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT).
يأتي هذا التصنيف استنادًا إلى تقييم صادر عن مجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، التي كانت قد وضعت لبنان على “القائمة الرمادية” منذ عام 2024، نتيجة فشل الدولة في تطبيق الإصلاحات المطلوبة في أنظمتها المالية والقضائية، لا سيما في مجالات الشفافية والرقابة ومكافحة الجرائم المالية.
ماذا يعني هذا التصنيف عمليًا؟
يُطلب من المؤسسات المالية الأوروبية تطبيق إجراءات مشدّدة عند التعامل مع أي تحويلات مصرفية من وإلى لبنان، أبرزها:
- التدقيق المعمّق في هوية العملاء.
- التحقيق في مصادر الأموال المحوّلة.
- مراقبة صارمة للمعاملات المشبوهة.
هذا يعني أن أي عملية مصرفية ذات صلة بلبنان، ولا سيما بعملة اليورو، ستكون عرضة للتأخير أو الرفض، ما يؤدي إلى تقليص تدفّق العملة الصعبة إلى الداخل اللبناني، في وقت يعاني فيه البلد من أزمة سيولة حادة.
تداعيات مباشرة على الاقتصاد
وفي اتصال مع “الأحداث 24”، أشار خبير اقتصادي بارز فضل عدم إسمه:"إن إدراج لبنان في هذه القائمة يحمل آثارًا سلبية واسعة، منها:
- تراجع التحويلات المالية الشتوية من المغتربين بسبب تعقيد الإجراءات، ما يضعف القدرة الشرائية للمواطنين ويزيد الضغط على ميزان المدفوعات.
- عرقلة عمليات الاستيراد، لا سيما من دول الاتحاد الأوروبي، ما قد يؤدي إلى نقص في السلع الأساسية أو ارتفاع أسعارها.
- انكماش الاستثمارات الخارجية، خاصة من قبل المنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية التي تعتمد على تمويلات أوروبية، ما سيؤثر على القطاعين المدني والتنموي.
- زيادة كلفة الخدمات المصرفية المحلية نتيجة الضغط على المصارف للامتثال للمعايير الدولية الجديدة، ما يجعل النظام المصرفي اللبناني أقل جاذبية وتنافسيّة.
لبنان والمجتمع الدولي: سياق متدهور
الجدير ذكره أن التصنيف الأوروبي ليس قرارًا سياسيًا طارئًا، بل هو إجراء تلقائي ناتج عن تقارير فنية سابقة صادرة عن FATF، وهو يُظهر مدى التدهور في التزام الدولة اللبنانية بالمعايير المالية العالمية.
وعلى الرغم من بعض التحركات الشكلية، لم تُقدِم الحكومة اللبنانية حتى اليوم على خطوات فعلية لمعالجة الثغرات، لا في القضاء، ولا في الأجهزة الرقابية، ولا في القطاع المصرفي، ما جعل البلاد تحت مجهر الرقابة الدولية.
هل من مخرج قبل 2026؟
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن لبنان بات أمام فرصة أخيرة قبل نهاية عام 2026 لإصلاح وضعه وتجنّب ترسيخ هذا التصنيف السلبي الذي سيقوّض أي إمكانية للتعافي الاقتصادي.
وأوضح أن الإجراءات المطلوبة تتضمن:
- تعزيز استقلالية وحدة التحقيق المالي.
- إعادة هيكلة أنظمة الرقابة المصرفية.
- تقديم نتائج ملموسة في محاربة الفساد وتمويل الإرهاب.
- فرض الشفافية في ملكية الشركات ومصادر التمويل.
وأضاف الخبير أن “من دون هذه الخطوات، سيبقى لبنان في دائرة الشك المالي، وسيفقد ما تبقّى من ثقة المجتمع الدولي، مما يعرقل برامج الدعم والمساعدات ويزيد من هشاشة الاقتصاد الوطني”.
تُعدّ هذه الخطوة الأوروبية رسالة واضحة إلى السلطات اللبنانية بأن زمن المماطلة قد انتهى. وإذا لم تتحرك الدولة سريعًا لتطبيق إصلاحات حقيقية وعميقة، فإن لبنان سيتّجه إلى مزيد من العزلة، في وقت هو أحوج ما يكون فيه إلى إعادة دمج نفسه ضمن النظام المالي العالمي.