Search Icon

ما لا يقاس ميلاديا بالمؤشرات الاقتصادية

منذ ساعتين

من الصحف

ما لا يقاس ميلاديا بالمؤشرات الاقتصادية

الاحداث- كتب مازن عبود في صحيفة النهار يقول:"قصّتي في الميلاد تعود إلى 1984، حين شهد لبنان واحدة من أعمق الانهيارات الاقتصادية والمالية في تاريخه. كنّا أطفالًا، حين فقدت الليرة أكثر من 99% من قيمتها الاسمية.  حصل ذلك نتيجة الإنفاق على التسلّح، وتراجع إيرادات الدولة إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي بعد خسارتها للسيطرة على مرافقها، فارتفع عجز ميزان المدفوعات إلى حدّ باتت معه الاحتياطات القابلة للاستخدام غير كافية لتغطية سوى أسابيع من الاستيراد.
تدهورت أحوال اهلي الذين حاولوا إخفاء عوزهم، لكنّ غياب اللحوم عن مائدتنا وعيون امي كانا أبلغ من أي شرح. تدهور طال شجرة الميلاد وهداياه وجودة موائده. 
ازمة كانت كارثية على عائلتنا كما على كل العاملين في القطاع العام.   تجاوزنا تلك الازمة، ومن بعدها أزمات لا تنفكّ تذكرنا بانّ بقاءنا في البلد ليس مرتبطًا بمؤشرات اقتصادية أو بقوة دولة، بل برأس مالنا الاجتماعي الذي هو وفق Robert Putnam، أصل إنتاجيّ ومورد.  مما جعلنا نصمد لكن دون ان نتقدم ونصلح! 
نجمة ميلاد 1984 كانت “أمّ سليم” التي تدّخلت بصنارتها وانقذت ميلاد عائلتنا.  حاكت لنا زينة شجرة هي الاجمل في بالي.  كم تجمعنا من حولها ناظرين الى عينيها ويديها وضحكتها!  كما ساهمت الخمسون دولارا أستراليا من كل من خالي وعمّي في ترتيب المائدة.  فمجتمعاتنا لا تقاس فقط بوفرة الموارد بل بالتضامن.  أصول نمتلك بعضا منها اليوم ويتوجب الحفاظ عليها.  أصول مكنتنا كعائلة من خارج منطق القوّة والاكتفاء يومها ان نعيش فرح العيد.  فالتكاتف يجدد رأس المال الاجتماعي. 
الميلاد محطة لتصحيح اختلالات السوق بالتضامن، وإعادة توزيع بعض الثروة، والاهتمام بالضعفاء بما يضمن منع التفكّك الاجتماعي ويحفظ الخير العام.  يشكل مناسبة لإعادة إنتاج القيم التي تصون المجتمعات.  فطفل الميلاد لم يأتِ بالقوّة، بل بالضعف. الميلاد اقتصاديا مناسبة لاستيلاد المسؤولية الجماعية، كما كتبت Hannah Arendt.
ثمة ومضات تقيم فيك، اذ اشعرتك يوما بانك غير متروك. المطلوب اليوم انتاج الكثير منها، فيتجدد رأس مالنا الاجتماعي.  
غدا يأتي العيد، وتحدينا ان يكون محطة للتجدد واستيلاد الثقة بالخير والتكافل.  فلنزرعه الكثير منه في القلوب مجددين الخير والتضامن!

Link Whatsapp