Search Icon

متحف اللوفر: حيث يلتقي الفن بالإحساس والروح في قلب باريس

منذ 11 ساعة

تربية وثقافة

متحف اللوفر: حيث يلتقي الفن بالإحساس والروح في قلب باريس

الأحداث – كتبت جوليانا معنق

عندما تدخل إلى متحف اللوفر في باريس لا تشعر أنها مجرد زيارة لمكان سياحي، بل تشعر أنك في تجربة تغمر الحواس والروح معًا.

في هذا الصرح الفني الضخم، تشعر وكأن الزمن يتوقف، حيث تحيط بك آلاف القطع التي تحكي قصص حضارات مختلفة، وأجيالًا من الإبداع البشري.

من اللحظة الأولى التي تطأ فيها قدماك البلاط القديم، تمر بين أروقة مزينة بلوحات ومنحوتات تأسر العين وتسرق الأنفاس. أمام لوحة الموناليزا، يتوقف الزمن؛ نظرة ابتسامتها الغامضة تُشعرك بغموض الفن وسحره الذي لا يزول. وتحتضنك منحوتات مثل فينوس دي ميلو، فتدرك أن الجمال قادر على تجاوز القرون، والتواصل مع قلب كل زائر مهما كان زمنه ومكانه.

ليس اللوفر مجرد متحف، بل هو رحلة بين الحكايات الإنسانية؛ كل غرفة، كل ركن، يحمل عبق التاريخ وإبداع الإنسان. ومن خلال الهرم الزجاجي الحديث الذي يقف في فناء المتحف، تشعر بالانسجام بين القديم والجديد، بين التراث والابتكار، بين الفن والتكنولوجيا.

زيارة اللوفر تمنحك شعورًا غريبًا بالدهشة والاعتراف بعظمة الفن البشري. هنا، كل لوحة، وكل تمثال، ليس مجرد تحفة، بل دعوة للتأمل، للتفاعل، للشعور بالإنسانية في أجمل صورها.

وعند خروجك، لن تترك اللوفر في قلب باريس فحسب، بل سيبقى معك في داخلك، يذكّرك بأن الفن قادر على إلهام الروح ورفعها فوق روتين الحياة اليومية.

يُعد متحف اللوفر (Musée du Louvre) من أبرز وأشهر المتاحف في العالم، فهو وجهة سياحية وثقافية لا غنى عنها لكل عشاق الفن والتاريخ. يقع المتحف في قلب العاصمة الفرنسية، على ضفاف نهر السين، ويستقطب ملايين الزوار سنويًا من مختلف أنحاء العالم.

تأسس متحف اللوفر في أواخر القرن الـ18، ويُعرف بأنه أكبر متحف فني في العالم من حيث المساحة وعدد القطع المعروضة، حيث يضم أكثر من 380 ألف قطعة فنية، تتوزع على أقسام عدة تشمل الفنون القديمة، اللوحات الأوروبية، التحف الإسلامية، والمنحوتات الكلاسيكية. ومن أبرز الأعمال المعروضة فيه لوحة الموناليزا للفنان ليوناردو دا فينشي، وتمثال فينوس دي ميلو، إلى جانب مجموعات واسعة من الفنون المصرية والرومانية واليونانية.

ويمثل اللوفر اليوم أكثر من مجرد متحف، فهو مركز ثقافي حيّ، يقدّم برامج تعليمية وورش عمل ومعارض مؤقتة تتناول موضوعات فنية متنوعة، ما يجعله فضاءً للتبادل الثقافي والتفاعل مع مختلف فئات الجمهور.

كما يتميز المبنى نفسه بطابعه المعماري الفريد، إذ يجمع بين التحف التاريخية والهندسة المعمارية الحديثة، وبخاصة مع الهرم الزجاجي الشهير الذي أصبح رمزًا للمتحف وجاذبًا لآلاف الصور اليومية للسياح.

سرقة تهزّ عرش الفن العالمي

لكن هذا الصرح الثقافي العريق اهتزّ مؤخرًا على وقع حادثة سرقة غير مسبوقة، استهدفت مجموعة من المجوهرات التاريخية النادرة كانت معروضة في أحد أجنحته الملكية.

وتعد القطع المسروقة من الكنوز الفرنسية التي لا تُقدّر بثمن، وتشمل تاجًا وعقدًا من طقم الملكة ماري-أميلي، وآخر من الزمرد يعود للإمبراطورة ماري-لويز، إضافة إلى بروش نادر وتاج ضخم وعقد صدر للإمبراطورة أوجيني. وحده تاج أوجيني تُرك خلفهم أثناء الفرار، ويخضع حاليًا لفحص من قبل وزارة الثقافة لتقييم حالته.

وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية عن تعبئة أكثر من 60 محققًا من فرقة مكافحة الجريمة المنظمة والمكتب المركزي لمكافحة الاتجار بالقطع الثقافية لتعقب الجناة واستعادة المجوهرات قبل تهريبها أو تدميرها.

وأكدت المدعية العامة في باريس، لور بيكوا، أن التحقيق يركّز على فرضيتين أساسيتين: إما أن السرقة نُفذت بتكليف من جهة راعية، أو أن الهدف كان تفكيك المجوهرات لتبييض الأموال عبر بيع الأحجار الثمينة في السوق السوداء.

ويحذّر خبراء الفن من أن أي محاولة لتفكيك هذه القطع الثمينة أو تذويبها ستجعل من المستحيل تقريبًا تتبعها أو استعادتها، خصوصًا أن كل حجر من أحجارها يحمل خصائص يمكن من خلالها تحديد مصدره وزمن تصنيعه.

وفي ظل ارتفاع أسعار الذهب عالميًا، تجاوزت الأونصة 4000 دولار، مما يثير مخاوف من أن يكون الهدف تصريف الذهب المنصهر بسهولة في السوق السوداء، مقابل صعوبة بيع الأحجار الكريمة المعروفة عالميًا.

وبينما تستمر التحقيقات، تتزايد المخاوف من أن تمرّ الأيام المقبلة حاسمة في تحديد مصير هذه الكنوز التي شكّلت جزءًا من ذاكرة فرنسا وهويتها الثقافية، لتتحول قضية “سرقة اللوفر” إلى واحدة من أكثر الجرائم الثقافية إثارة في أوروبا الحديثة.

وفي الختام، يبقى أن نقول إن زيارة متحف اللوفر في باريس ليست مجرد جولة بين التحف الفنية، بل رحلة معرفية تمزج بين التاريخ والحضارة والفن، حتى في وجه الأزمات، يظل هذا المتحف شاهدًا على قدرة الفن على الصمود أمام الزمن، وعلى أن الجمال، مهما تعرّض للسرقة، يبقى خالدًا في الوجدان الإنساني.