الاحداث - كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن يقول:"سجّل الموفد الأميركي توم برّاك نفسه في خانة الموفدين الأميركيين الذين دخلوا تاريخ لبنان. قد يكون الرجل متأثرًا بجذوره اللبنانية وبالطابع الدبلوماسي، لكنه في النهاية ينفذ سياسة بلاده مهما حاول تغيير الأسلوب.
لا يمكن ذكر تاريخ لبنان الحديث من دون تناول الموفدين الأميركيين الذين لعبوا دوراً كبيراً في اللحظات المفصلية من تاريخ البلد، الموفد الأميركي روبرت مورفي أتى بعد اندلاع ثورة 1958 ودشّن مرحلة التسوية الأميركية - المصرية التي أنهت الثورة على الرئيس كميل شمعون، وأدت إلى انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.
ولا يختلف الوهج الذي ناله مورفي عن الموفد دين براون، الذي لا تزال الرواية الحقيقية لزيارته الشهيرة طيّ الكتمان، فهو التقى قادة "الجبهة اللبنانية" بداية الحرب، وخرجت بعدها مقولة تؤكد أنه كان يسعى إلى ترحيل المسيحيين عبر البواخر، وقد استعملت "الجبهة" هذه المقولة غير المؤكدة لشد عصب المسيحيين. وقد قال الرئيس شمعون وأعضاء الجبهة: نردم البحر ولا نسمح للمسيحيين بالهجرة.
وكان دور الموفد الأميركي من أصول لبنانية، فيليب حبيب، مهمًّا أثناء الحرب وفي فترة الاجتياح الإسرائيلي وانتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، حيث تابع تفاصيل تلك المرحلة، ولا يزال اسمه يتردد حتى وقتنا هذا، في حين تحضر جملة الموفد ريتشارد مورفي في كل استحقاق رئاسي حيث قال يومها: "إما مخائيل الضاهر أو الفوضى".
بعد اتفاق "الطائف"، لزّمت واشنطن لبنان إلى نظام الأسد، وبعد زلزال 14 شباط 2005 لعب السفير الأميركي جيفري فيلتمان دورًا محوريًا في لبنان بعد انسحاب جيش الاحتلال السوري، حتى أطلق فريق 8 آذار على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى لقب حكومة فيلتمان.
وبحلول عام 2022 كان الموفد الأميركي آموس هوكستين يبرم صفقة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وظن الجميع أن نجاح مهمته ستؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتكريس سلام دائم، بعد موافقة "حزب الله" على الترسيم، لكن حدث 7 تشرين الأول 2023 الذي قادته حركة "حماس" عبر "طوفان الأقصى" ودخول "حزب الله" حرب "الإسناد"، عوامل أدت إلى عودة هوكستين. وبرزت محبته للبنان من خلال التحذير الدائم مما هو قادم إذا لم يطبّق الـ 1701، لكن "الحزب" لم يسمع التحذيرات فتوسعت الحرب في الخريف الماضي، ونجح هوكستين في 27 تشرين الثاني في إبرام اتفاق الهدنة.
تسلم الرئيس دونالد ترامب زمام الحكم وأرسل الموفدة مورغان أورتاغوس إلى لبنان، ومن الصعب على الشعب اللبناني نسيان شخصية هذه المرأة وتصاريحها الحازمة، والتي فتحت الطريق أمام توم برّاك ليفعل ما يفعله الآن.
بالأمس، تسلم برّاك ردّ الدولة اللبنانية و"حزب الله" على الورقة الأميركية، وأرسلها إلى إدارته، وتشير المعلومات إلى أن الرجل يريد إنهاء هذا الملف، ولا توجد فترة سماح أو مهلة مفتوحة، ويعمل لوضع الحل على السكة الصحيحة. وحتى هذه الساعة لا توجد بوادر حل مقنعة. الدولة لا تزال تتذاكى وتؤكد في ورقة الرد التزامها بالهدنة و"الطائف" والبيان الوزاري وخطاب القسم والقرار 1701، لكن في النهاية لا يوجد جدول عملي وزمني لتنفيذ هذه الالتزامات.
وتحرص الدولة على الرد بالتأكيد على حصرية السلاح في يدها، لكنها في المقابل لم تستطع جمع السلاح من المخيمات الفلسطينية في العاصمة، والتي هي أصلّا مهمة سهلة عكس مخيم عين الحلوة.
لا يبدو أن برّاك سيكون خاتمة الموفدين الأميركيين لحلّ أزمات لبنان. فطالما لم تحزم الدولة أمرها وتتحرّك سيبقى لبنان ساحة مشرّعة للاستعمال الإقليمي والحلقة الأضعف، وملعبًا لتنفيذ الدول مصالحها، وبالتالي يبدو أن إسرائيل قد أخذت الضوء الأخضر من الأميركيين لتقوم بما تتطلّب مصالحها في لبنان وأمنها.