Search Icon

منفى إداري براتب كامل… وأحكام شورى الدولة تُطوى في الأدراج

منذ 7 ساعات

سياسة

منفى إداري براتب كامل… وأحكام شورى الدولة تُطوى في الأدراج

 

الاحداث- خاص
في دولة تعاني من أزمات مالية خانقة، وتخضع لمراقبة دولية صارمة حول الشفافية وحسن الإدارة، تبرز مجددًا ظاهرة “وضع المدراء العامين بتصرف رئاسة الحكومة” كواحدة من صور العبث الإداري المقونن، الذي يُغلف بالشرعية الإجرائية ويخفي في طيّاته تجاوزًا صريحًا لمفهوم الوظيفة العامة وواجبات الخدمة.

فرغم أن هذا الإجراء يُستخدم كحل وسط في حالات الخلافات السياسية أو الإدارية بين الوزراء والمديرين العامين، أو كأداة “نفي ناعم” لهؤلاء من مواقعهم، فإن استمراره بالشكل الحالي بات يثير تساؤلات جدّية. فما الجدوى من إبقاء موظف برتبة مدير عام  او محافظ على رأس سلم الإدارة العامة، خارج موقعه الأصلي، لا يؤمّن الدوام، ولا يُكلف بأي مهام فعلية، ومع ذلك يتقاضى راتبه كاملاً من خزينة الدولة؟

الأكثر مدعاةً للقلق أن بعض هؤلاء المديرين العامين الموضوعين بتصرّف رئاسة الحكومة مقيمون خارج لبنان، وبالتالي هم فعليًا غائبون عن الخدمة، ولا يلتزمون بأي حضور حتى إلى السراي الحكومي، حيث يُفترض بهم التواجد بانتظار تكليفهم أو إعادة تعيينهم. وهنا يُطرح السؤال الأخلاقي والقانوني والمالي: هل من المقبول أن تُصرف رواتب بالعملة الصعبة أو على أساس سعر صرف مرتفع، لموظفين لا يقومون بأي عمل ولا يعيشون في البلد أصلًا؟

من حيث المبدأ، يتيح القانون الإداري هذا الإجراء، إلا أن الممارسة أفرغته من مضمونه. فتحوّل من آلية تنظيمية استثنائية إلى مساحة رمادية يختبئ فيها الفشل في اتخاذ القرار، وتُستغل لأغراض سياسية أو لتجنب الصدامات داخل السلطة.

أما من ناحية المال العام، فإن هذه الرواتب تُشكّل استنزافًا غير مبرّر لخزينة الدولة، خصوصًا في وقت تتأخر فيه رواتب موظفي القطاع العام، وتتآكل قدرتهم الشرائية، وتُجمّد التقديمات الاجتماعية والصحية. والأدهى أن هذه “الامتيازات الصامتة” لا تخضع للمساءلة، ولا تُطرح على طاولة النقاش النيابي أو الحكومي إلا لمامًا، في حين يُلاحق موظفون صغار على غياب جزئي أو تأخر عن الدوام!

وفي سياق متصل، لا يمكن إغفال تقصير الدولة في تنفيذ قرارات مجلس شورى الدولة، الذي أنصف في السنوات الماضية عددًا من الموظفين الذين أُبعدوا تعسفًا عن وظائفهم بقرارات ظالمة من وزراء مارسوا السلطة خلافًا للقانون. فرغم صدور قرارات واضحة بإعادة هؤلاء إلى وظائفهم، فإن التنفيذ غالبًا ما يُقابل بالتجاهل أو بالمماطلة تحت ذرائع سياسية وإدارية، ما يُشكّل خرقًا فاضحًا لمبدأ فصل السلطات، ويقوّض هيبة القضاء الإداري ودوره كمرجعية ضامنة للعدالة داخل الإدارة.

إن معالجة هذه الثغرات تبدأ بإعادة تعريف واضح لمفهوم “الوضع بتصرّف رئاسة الحكومة”، وتحديد مدة زمنية قصوى له، لا تتعدى أشهرًا معدودة، على أن يُصار بعدها إلى اتخاذ قرار واضح: إما إعادة المدير العام إلى موقعه أو إعفاؤه وفقًا للأصول القانونية. كما يفترض أن يكون تقاضي الراتب مشروطًا بالحضور الفعلي أو القيام بمهام واضحة، لا أن يُستسهل الأمر وكأن الإدارة العامة مجرد مكافأة أبدية لمن شغل منصبًا يومًا.

لقد آن الأوان لوقف هذا النزيف المقونن باسم التوازنات السياسية. فإصلاح الدولة لا يبدأ فقط من النصوص، بل من الجرأة في تطبيق مبدأ ربط الأجر بالعمل، واحترام سلطة القضاء، والمحاسبة على أي تجاوز، مهما علا المنصب.