الاحداثء - كتبت فتات عياد في صحيفة "نداء الوطن" تقول:"16 عاماً هي عمر سياسات "التيار الوطني الحر" في وزارة الطاقة. والسؤال اليوم: كم عاماً سننتظر لكشف كل الفضائح والتجاوزات التي ارتكبها "التيار" في قطاع الطاقة، وتحديداً في قطاع المياه، الذي تحوّل إلى "منبع" لتمويل مشاريع مفصّلة على قياس الوزير ومستشاريه؟ لكن، ماذا لو عرف اللبنانيون أن جزءاً كبيراً من هذا التمويل أتى بحجة عدم وجود مختبر جرثومي في الوزارة لمراقبة عينات مياه مؤسسات المياه؟ وماذا لو اكتشفوا أيضاً أن المختبر أُقفل بالقوة في عهد وزير الطاقة السابق جبران باسيل، الذي حوّله إلى "مطبخ" لمستشاريه؟ وأن "دويلة المستشارين" لم تكتفِ بالاستيلاء على المختبر وإلغائه على حساب نوعية المياه، بل سيطرت على سياسة قطاع المياه بالكامل، بما في ذلك توجيه المنح والهبات بملايين الدولارات من الجهات المانحة؟
صحيح أن آخر نماذج سيطرة المستشارين، كان ما فضحته "نداء الوطن" عن استراتيجية الوزير وليد فياض بمليار ونصف دولار، ثلثها للسدود، والتي تضع سد بسري كأولوية، وعرابتها مستشارته سوزي الحويك، لكن سيطرة "المستشارين" على حساب الإدارة، بدأت مع بداية عهد باسيل في الطاقة عام 2009، حيث تولت مستشارته رندا النمر، مهمة القضاء على المختبر الجرثومي، التابع لدائرة المنسقين، في مصلحة الوصاية، التابعة للمديرية العامة للاستثمار في وزارة الطاقة، وفق ما تكشفه مصادر خاصة لـ "نداء الوطن"، وهو ما عطّل رقابة الوزارة على نوعية المياه في مؤسسات المياه، وشرّع إقامة "مطبخ" من نوع آخر، على مستوى توجيه تمويل الجهات المانحة لقطاع المياه في الوزارة!
ماذا تكشف مصادر الوزارة من جهتها عن فضيحة تحويل المختبر إلى كافيتريا؟ وما خطة الإدارة الحالية لإعادة تفعيل الرقابة على مؤسسات المياه؟ وما هي مقاربة الوزير جو صدي لـ "الاستراتيجية الوطنية للمياه 2024-2035"، التي وقعها الوزير فياض، ثم حاول تمريرها عبر نشرها- من دون وجه حق- على الوزارة كونها لم تقر بشكل قانوني؟ (وفق ما كشفته "نداء الوطن" في مقال سابق).
إقفال المختبر "بالقوة"
مصادر "نداء الوطن"، التي عايشت مرحلة إقفال المختبر الجرثومي في الوزارة، الأمر المخالف سواء لقانون المياه القديم أو القانون الحالي رقم 192/2020، الذي يمنح الوزارة دوراً رقابياً على نوعية المياه، تكشف حيثيات إقفاله وتحويله إلى "مطبخ" أو "كافيتريا" لمستشاري وزراء الطاقة المتعاقبين، منذ العام 2009 وصولاً للوزير وليد فياض، أي لأكثر من عقد ونصف.
"سمّعتنا مستشارة باسيل حكي من الزنار ونازل". هذا ما تذكره المصادر من "كارثة إقفال المختبر"، فالموظفون رفضوا صراحة في حينه، إخلاء المختبر وتحويله إلى مطبخ وإخراج معداته منه، سيما وأنه لم يكن هناك كتاب خطي رسمي بإقفاله، فما كان من مستشارة باسيل رندا النمر، إلا أن استعاضت عن ذلك، بتهديد الموظفين.
انهالت النمر بالشتائم على الموظفين المعنيين بالمختبر، طيلة أسبوعين متتاليين، كـ "الصراخ" و"تسميع الحكي"، ليرضخوا أخيراً للأمر الواقع، وتنفذ عملية تحويل المختبر إلى مطبخ للمستشارين، تحت وابل من الشتائم بحق الموظفين.
وكانت الكافيتريا أو المطبخ، أول "عتبة" نحو ضرب رقابة الوزارة على نوعية المياه في مؤسسات المياه التي أصبحت "بلا رقابة"، توازياً مع توسّع نفوذ دويلة "المستشارين"، ودخولهم "مطبخ" تمويل مشاريع قطاع المياه من بابه العريض.
مؤسسات المياه بلا رقابة
في 23 نيسان الماضي، تفشى التهاب الكبد الفيروسي الألفي، hepatitis A-الصفيرة في بلدة كامد اللوز البقاعية. الفضيحة أن هذا الانتشار، عززه، ما كشفته وزارة الصحة في بيان حول "عدم وجود النسبة المطلوبة من الكلور المتبقي لمكافحة الجراثيم" في المياه في البلدة، ما جعل الوزارة تدفع نحو التنسيق مع البلدية ووزارة الطاقة والمياه ومصالح المياه، "من جهة تأمين حسن عمل الكلورة ومضخات الكلورة لتفادي تفشي التهاب الكبد الفيروسي الألفي".
طبعاً، حرم إقفال المختبر الجرثومي في وزارة الطاقة، وزارة الطاقة من القدرة على القيام بدورها الرقابي على مؤسسات المياه، ليس بهدف اكتشاف أن نسبة الكلورة غير كافية وحسب (فقد تتمكن الوزارة من اكتشاف ذلك اليوم)، بل أيضاً لاكتشاف وجود تلوث جرثومي، ينبئ باكتشاف أوبئة وفيروسات سواء الصفَيرة أو الكوليرا وغيرها، ويكون استباقياً في مواجهة انتشارها وتفشيها على نطاق واسع، وهو الدور الذي تعطل رسمياً في وزارة الطاقة منذ العام 2009، أي منذ 16 عاماً، بمباركة من الوزير باسيل ومستشارته رندا النمر، ودون كتاب رسمي!
فالمختبر يستطيع فحص بكتيريا الإيكولي، التي تبين أن هناك تلوثاً جرثومياً قد ينطوي على أمراض جرثومية منقولة بالماء، سواء كوليرا، أو التهاب الكبد الفيروسي الألفي-الصفَيرة Hepatitis A، وغيرها، لكن المستشارين كانوا يريدون "مساحة" للتنفيس في الوزارة، على حساب نوعية المياه التي تصل لمنازل اللبنانيين.
لكن إقفال المختبر لم يأت فقط على حساب السلامة العامة، وصحة الناس، والفاتورة الاستشفائية، والأمن المائي، أي على حساب الرقابة على نوعية المياه وحسب، بل إنه أسس لدفع وزراء الطاقة المتعاقبين ومستشاريهم، نحو تمويل مشاريع تحت عنوان نوعية المياه، بحجة أن لا رقابة للوزارة على مؤسسات المياه، بينما كانوا هم من أسسوا لغياب تلك الرقابة ولو بحدها الأدنى، القادر على منع انتشار أوبئة المياه أقله تلك المعالجة بزيادة نسبة الكلور الذي تضخه مؤسسات المياه، لمنازل المواطنين، مثل الكوليرا والتهاب الكبد (أ) في السنوات الأخيرة، وهو ما يكشف بعداً أخطر لهذه الفضيحة، ألا وهو الهدر المالي وتوجيه هبات ومنح الجهات المانحة، وفق ما تقتضيه سياسة مستشاري الوزير، لا مصلحة المياه والوزارة والمواطنين.
مصادر الوزارة: نعمل على آلية جديدة
نأخذ معلوماتنا حول إقفال المختبر في مديرية الاستثمار، ونذهب بها لوزارة الطاقة، للتوقف عند المعلومات الرسمية حول ظروف الإقفال.
ووفق مصادر وزارة الطاقة، تم اتّخاذ قرار إقفال المختبر الجرثومي شفهياً عام 2009 من دون صدور أي قرار مكتوب يعلّل هذه الخطوة، وأشرفت على إلزام الموظفين بتنفيذه مستشارة باسيل رندا النمر وحوّلت القاعة إلى مطبخ ولم يتم إجراء أي جردة بالمعدات منذ ذلك الحين. وطبعاً فإن عدم إجراء جردة، وعدم معرفة ما حل بالمعدات، فضيحة من نوع آخر.
وتقر وزارة الطاقة اليوم، بأن آلية المراقبة على عينات المياه في مؤسسات المياه معطلة منذ سنوات، والوزارة تكتفي بالتقارير المرفوعة من مؤسسات المياه وهذا الأمر يتعارض مع القوانين النافذة، لكنها تبشر في الوقت نفسه بأنه "يعمل على إعداد آلية عمل لإعادة فرض الرقابة على جودة المياه في مؤسسات المياه في لبنان".
تقويض صلاحيات الوزارة "الرقابية"
هذا وتكشف مصادر الوزارة، أن الجهات المانحة لقطاع المياه، اعتادت منذ العام 2015 على التواصل مباشرة مع مؤسسات المياه. من جهتها، ستقوم الوزارة "بالتواصل مع الجهات المانحة للاطلاع على الهبات المرتبطة بالمختبرات ونوعية المياه ومحطات المياه ومشاريعها، بهدف تفعيل التنسيق بين مقدم الخدمة أي المؤسسة والجهة الرقابية، أي الوزارة، بما يضمن تشارك المؤهلات العلمية والخبرات لما فيه من افادة للمصلحة العامة".
وعن إشراف "مستشاري" الوزير على المنح المتعلقة بنوعية المياه منذ عهد باسيل وصولاً لفياض على حساب موظفي الإدارة، ما خلق إدارة موازية ومزاريب هدر، وأكبر مثال فاقع، كان المستشارة سوزي الحويك، المشرفة الأساسية على استراتيجية المياه 2024-2035 للوزير فياض، تكشف مصادر الوزارة أننا "في صدد دراسة الاستراتجية المائية الموجودة ومراجعتها وتطويرها، آخذين بعين الاعتبار تعزيز دور الكوادر الكفوءة في الإدارة إلى جانب الاستعانة بخبراء دوليين".
إعادة النظر باستراتيجية فياض
في 9 أيار، جرى حوار استراتيجي حول ملف المياه بين وزير الطاقة جو صدي والجهات المانحة والمنظمات الدولية في مبنى الوزارة، تناول الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه. وأول الغيث، تأكيد صدي على أنه "سيستند على ما تم العمل عليه سابقاً بحيث سيتم إصلاح النقاط غير الصالحة وتحديث ما يلزم وإعادة النظر فيه وتبني النقاط الإيجابية"، مشيراً إلى أننا "نحن نحتاج إلى بعض الوقت لإعادة دراسة الاستراتيجية الوطنية للمياه بالتشاور مع الجهات المعنية قبل أن نقدمها للهيئة الوطنية للمياه، التي تبنت آلية لعملها منذ أيام".
وعن مؤسسات المياه، تطرق صدّي إلى مسألة الحوكمة وإعادة هيكلة مؤسسات المياه وضرورة تعيين مجالس إدارة جديدة لها وتعزيز آليات مراقبتها ومحاسبتها.
فهل ينجح صدي في تبني سياسة واضحة وشفافة للتفاوض مع الجهات المانحة على عكس "التيار الوطني الحر" ووزرائه المتعاقبين؟ وهل تعود لـ "الإدارة" في الوزارة قيمتها في عهده، ليستفيد من خبرات الموظفين التي همشت لصالح دويلة مستشاري "التيار"؟
والسؤال الأهم: هل يعاد تقييم ما صرف من أموال ومنح على المياه ونوعيتها، ضمن تدقيق جنائي متكامل لوزارة الطاقة، كي لا تسود سياسة عفى الله عما مضى على حساب أمن اللبنانيين المائي والمال العام اللبنانيّ؟