الاحداث- كتبت صحيفة "النهار": لم يكن ممكناً تجاهل أو إنكار توقيت الموجة التصعيدية الواسعة التي تمثلت في حلقات متعاقبة من الغارات الإسرائيلية امتدت من ليل الثلاثاء إلى ليل الأربعاء متنقلة من عين الحلوة الى قرى وبلدات جنوبية، وعزلها عن المناخ الشديد التأزّم الناشئ بين الإدارة الأميركية ولبنان "الرسمي والعسكري"، عقب ما اصطلح على تسميتها الصفعة الأميركية القاسية لقيادة الجيش اللبناني.
ذلك أنه على رغم أن الغارات اليومية الإسرائيلية صارت القوت اليومي للجنوبيين منذ ما بعد سريان اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل الذي يطوي سنته الاولى في 27 تشرين الثاني الحالي، بدا واضحاً أن إسرائيل استغلت ووظّفت التطور السلبي الخطير الذي تمثل في اهتزاز غير مسبوق في علاقات لبنان مع الولايات المتحدة عبر إلغاء زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل لواشنطن، وهو الحدث الصادم الذي يعيش لبناتردداته وتأثيراته الحادة من دون اتضاح السياق الذي سيعتمده أهل الحكم في احتوائه لئلا تتّسع الفجوة ويتكبّد لبنان أكلافاً لا قدرة له على تحملها من جرائه.
وتتجه الأنظار إلى جلسة مجلس الوزراء اليوم في قصر بعبدا التي يفترض أن تناقش هذا التطور وما يتعين على أهل الحكم وفي مقدمهم رئيس الجمهورية جوزف عون القيام به على عجل لاستدراك ترددات الغضب الأميركي، وفي الوقت نفسه تقويم الأمر من زاوية مراجعة التراكمات التي أدت إلى هذا التطور السلبي، علماً أن ما طرح في أفكار واحتمالات في الكواليس لمعالجة الأمر لم ترقَ بعد إلى قرار واضح لجهة التواصل مع الإدارة الأميركية، وبأي مستوى وبأي مضمون سياسي وإجرائي وعسكري يمكن أن يكون عليه التوجه اللبناني لمواجهة هذه المشكلة الحساسة.
وتصاعدت المخاوف من ترددات الاهتزاز اللبناني الأميركي، ليس فقط لجهة الشكوك الثقيلة التي ألقاها على مصير المساعدات العسكرية الأميركية للجيش، وإنما أيضاُ لإمكان أن تسوء الأمور أكثر وتنعكس على الأوضاع الميدانية. إذ فيما كانت الاتصالات تجري على أعلى المستويات في الدولة مع السفارة في عوكر ودوائر القرار لاحتواء الغضب الأميركي ومفاعيله، أطلقت إسرائيل العنان لتحذيراتها وغاراتها بدءاً بضربة دامية غير مسبوقة لمخيم عين الحلوة حيث أوقعت نحو 15 قتيلاً، ثم أطلقت العنان مجدداً للإنذارات المرعبة لسكان بلدات جنوبية وشنّ طيرانها غارات عليها.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بعد الظهر، إنذارات متعاقبة بأن الجيش الإسرائيلي سيضرب "بنى تحتية عسكرية تابعة لحزب الله في أنحاء جنوب لبنان وذلك للتعامل مع المحاولات المحظورة التي يقوم بها حزب الله لإعادة إعمار أنشطته في المنطقة". ودعا سكان مبانٍ في دير كيفا وشحور، إلى إخلاء منازلهم والابتعاد عن المباني. وقالت القناة 12 الإسرائيلية أن "الهجمات تأتي في إطار التصدي لانتهاكات حزب الله وهذا ليس تصعيدًا". وفي الأعقاب أغارت الطائرات الإسرائيلية على المباني المحددة. وبعد أقل من ساعة وجّهت تحذيراً آخر لمبانٍ في طيرفلسيه وعيناتا واستهدفتهما.
وكانت مسيّرة إسرائيلية، استهدفت صباحاً سيارة في بلدة الطيري بصاروخين، وصودف مرور حافلة مدرسية لطلاب خلف السيارة المستهدفة، ما أدى إلى سقوط قتيل يدعى بلال شعيتو و11 جريحاً.
ولفت موقف غير مباشر من التطور الأميركي لرئيس الجمهورية جوزف عون الذي أجرى اتصالاً هاتفياً بقائد الجيش العماد رودولف هيكل وقدم له التعازي باستشهاد العسكريين خلال ملاحقة تجار المخدرات في حي الشراونة في بعلبك، وقال: "مرة جديدة يدفع الجيش من دم رجاله ثمن حماية المجتمع اللبناني من آفة المخدرات من جهة، وتطبيق القانون من جهة أخرى. لقد انضم شهيدا الأمس إلى قافلة طويلة من رفاقهما الذين ضحوا بأغلى ما عندهم وفاءً لقسمهم، وتأكيداً على تصميم المؤسسة العسكرية بالتعاون مع القوى الأمنية الأخرى على المضي في تطبيق القوانين وملاحقة المرتكبين والحد من الجريمة على مختلف أنواعها، بالتزامن مع حماية الحدود وبسط سلطة الدولة، ولن يثني شيء الجيش عن القيام بدوره الوطني، لا الحملات المشبوهة ولا التحريض ولا التشكيك من أي جهة، أي سواء من الداخل أو الخارج".
أما رئيس الحكومة نواف سلام، فأعلن في الكلمة التي القاها في ختام مؤتمر بيروت – 1، أن "خطة الجيش اللبناني لا تقتصر على احتواء السلاح في جنوب الليطاني فحسب، بل تشمل شماله أيضاً"، مشدداً على "أن الوقت لا يسمح بتفويت الفرص ويجب استكمال بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية". واعتبر أن "لبنان لا يزال بلد الفرص الواعدة وبدأنا بمسيرة الاصلاح ولا يزال أمامنا شوطاً كبيرا، ولا بد من استكمال الإصلاحات ولكن في غياب الأمن والأمان سنفوّت فرصة النهوض". وأكد أن رفع الحظر السعودي عن الصادرات اللبنانية "قريب جداً، وسنقوم بتدشين أجهزة "سكانر" في مرفأ بيروت، معلنًا أنه تم إغلاق أكثر من 30 معمل كبتاغون خلال شهر واحد، واتخذنا إجراءات أمنية جدية في مطار بيروت".
ليس بعيداً من موقف عون كتب الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنلاط على منصة "أكس": "نتمسك باتفاق الهدنة مدركين خطورة التراجع عنه ونؤكد ضرورة بسط سيادة الدولة على كل الأراضي اللبنانية وترسيم الحدود وإزالة التعديات وتحرير الأسرى. وفي هذا السياق نحيي الموقف الوطني لقائد الجيش العماد رودولف هيكل".
إلى ذلك، وعشية انتهاء مهلة تسجيل المغتربين للانتخابات النيابية طالب نواب الأكثرية الموقعون على عريضة حول قانون الحكومة للانتخابات النيابية في بيان، من مجلس النواب بإدراج مشروع القانون المُعجّل الذي أحالته الحكومة على جدول أعمال الهيئة العامة فورًا". واعتبروا أن الحكومة قامت بواجبها وأحالت مشروع التعديل الضروري على بعض أحكام قانون الانتخابات رقم 44/2017، وهو مشروع مرتبط مباشرة بتنظيم العملية الانتخابية، ولا سيما في ما يتعلق بحق اللبنانيين غير المقيمين في الاقتراع". وأعلنوا في بيانهم أنه "مع اقتراب انتهاء مهلة تسجيل المغتربين في 20 من الشهر الحالي، يصبح أي تأخير في طرح المشروع ومناقشته والتصويت عليه تهديدًا مباشرًا لحق مئات الآلاف من اللبنانيين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات، خصوصًا أن المشروع ينصّ صراحةً على تمديد مهلة التسجيل حتى نهاية العام الجاري".
وأشاروا إلى "أن إحالة المشروع إلى اللجان في هذا التوقيت، أو الامتناع عن إدراجه ضمن أولويات الهيئة العامة، يعني عمليًا تعطيل العملية الانتخابية ويعرّضها للطعن ولعدم القدرة على الالتزام بالمواعيد الدستورية واللوجستية، وهو أمر لا يمكن القبول به تحت أي ذريعة، وانطلاقًا من مبدأ التعاون بين السلطات الدستورية نطالب بشكل واضح وصريح بإدراج مشروع القانون المُعجّل فورًا كبند أول على جدول أعمال أول جلسة للهيئة العامة، وتلاوته ومناقشته والتصويت عليه دون أي تأجيل". وحمّلوا "المسؤولية الكاملة عن أي تعطيل أو إرجاء أو إرباك في العملية الانتخابية لأي جهة تقف في وجه طرح المشروع أو تبطئ مساره، لأن ذلك يشكّل بصورة واضحة قرارًا بتعطيل الانتخابات وإسقاط حق اللبنانيين جميعًا في الداخل والخارج في اختيار ممثليهم".