الاحداث - كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"قد تكون المصادفة قادت إلى جمع الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس ورئيس المخابرات المصرية حسن رشاد في بيروت اليوم، ولكن كون الزيارتين جاءتا في ظروف تلت نتائج "قمة السلام" في شرم الشيخ، ومبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد نسفت هذه النظرية. فلبنان كان ينتظر تحركاً ما في اتجاهه بعد هذين الحدثين، قبل أن يرصد جولة أورتاغوس الميدانية في الجليل الأعلى برفقة وزير الدفاع الإسرائيلي، التي قد تقود الوضع إلى مكان آخر. وعليه، طُرح السؤال إن كانت رياح قمة شرم الشيخ للسلام ستلفحه، أم تلك العاصفة الآتية من الجليل الأعلى؟
سرت في الساعات القليلة الماضية رواية افتراضية تقول على سبيل المزاح، بضرورة نشر شرطة السير في بيروت الكبرى بكثافة، وخصوصاً على الطرق المؤدية إلى القصور الرئاسية، لتنظيم السير ومنع أي احتكاك بين موكبَي أورتاغوس ورشاد، اللذين سيلتقيان اليوم بكل من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام وقائد الجيش العماد رودولف هيكل.
لكنّ هذه الرواية سقطت أمام مَن يعنيهم الأمر، لأنّ الموكبين يكملان بعضهما، وإن التقيا في مكان ما فلن يصطدما ببعضهما، لأنّهما يسعيان حسب المهمّة المكلّفين إياها إلى هدف واحد، وهو ترتيب الوضع في لبنان وإقناع مسؤوليه بأنّ ما هو مطلوب منهم على طريق بناء الدولة ومؤسساتها واستعادة كامل سلطاتها على أرضها بقواها الذاتية كثير ولم يُنجز منه سوى القليل، وإنّ هناك مطالب اخرى على مستوى الإصلاحات الإدارية والمالية والمصرفية وغيرها من سلسلة القوانين المطلوبة، او تطبيق تلك الموجودة، لإحياء دولة المؤسسات واستعادة الحدّ الأدنى من الثقة الداخلية والخارجية المفقودة، التي تسمح بمدّ يد العون للبنان وانتشاله مما غرق فيه من فشل وانهيار وفقدان للحدّ الأدنى من الخدمات المطلوبة، في دولة اقتربت في فترة من الفترات من أن تكون فاشلة او مارقة، بعدما تنازلت طويلاً في كثير من الملفات لـ"الدويلة"، ولو بأشكال وعلى مراحل مختلفة على حسابها.
على هذه الخلفيات، سعت مراجع ديبلوماسية إلى قراءة مشهد تلاطم الأمواج العسكرية والأمنية بتلك السياسية والديبلوماسية. وكل ذلك من أجل رسم خريطة الطريق المطلوبة لإنعاش البلد والانتقال من مرحلة تجميد العمليات العسكرية التي قال بها تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 إلى مرحلة وقف النار وتنفيذ المراحل المقرّرة، لإرساء السلام في لبنان، بعدما طرق ابواب المنطقة من بوابة قطاع غزة والمساعي المبذولة لتعميم التجربة على بقية الساحات التي تأثرت بما شهدته من حروب تدميرية انطلاقاً من غزة وجنوب لبنان، والتي غيّرت كثيراً في أوضاع الدول التي اقتيدت اليها او انخرطت فيها على الطريق إلى ولادة شرق أوسط جديد لم ترس معالمه بعد على ما سيكون عليه، سوى عبر استراتيجيات افتراضية جديدة ستتحكّم به للعقود المقبلة على الأقل.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، تتوسع هذه المراجع في قراءة التطورات اللبنانية المحتملة. فلبنان الذي ينتظر مبادرة ما كتلك التي انتهت إليها الحرب في غزة، من أجل التطلّع إلى ما يمكن أن يعيشه في المرحلة المقبلة، عاش فترة من الحصار المطبق والإهمال الديبلوماسي الأميركي وغيره، بعدما انتهت مجموعة من المبادرات التي أطلقتها جهات عدة، إلى ما لا يمكن احتسابه. فالموفدون الأميركيون غائبون عن لبنان منذ منتصف آب الماضي. واورتاغوس التي عادت إلى بيروت أمس كانت في حال إهمال، إن لم تكن قطيعة مع القيادات السياسية الرسمية والعسكرية اللبنانية، وقد حصرت اهتماماتها بأعمال لجنة "الميكانيزم" المكلّفة مراقبة تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 ورعاية خطوات الجيش المكلّف نزع السلاح من أيدي المجموعات المسلحة غير الشرعية، لبنانية كانت أم فلسطينية، ولم تلتفت في زيارتيها الأخيرتين إلى أي منهم، وحصرت لقاءاتها باللجنة في آخر اجتماع رئسته في 7 أيلول الماضي.
أما زيارة مدير المخابرات المصرية، فقد اعتُبِرت مؤشراً إلى فتح عربي جديد للديبلوماسية المصرية على الساحة العربية، وربما طاول الساحة اللبنانية من بوابة النجاح على الساحة الفلسطينية. ووفق ما تسرّب من معلومات، فإنّ مهمّة رشاد تتضمن مجموعة أفكار صيغت بما ينسجم مع ما انتهت إليه اتفاقية السلام التي وقّعت في شرم الشيخ، وتحترم الخصوصيات اللبنانية. وهي وإن نقلت بلسان المسؤول المصري، فهي مطعّمة بنكهة عربية وخليجية تحديداً. ولذلك فإنّ رشاد يزور لبنان اليوم، ليس بصفته الأمنية والمخابراتية فقط، وإنما لأنّ لديه مجموعة من الأفكار التي تحظى برضى عربي وخليجي، وتتضمن عرضاً يتناول المعوقات التي حالت دون أي تفاهم خاص بلبنان، بعد الفشل الذي مُني به تفاهم 27 ت2 2025 الذي تلاشى بنحو متدرج. وكان لا بدّ من أن تتخذ المنحى الذي قاد إلى تلك الخاصة بغزة، والتي أحدثت تحولًا في موقف ترامب، الذي بارك الأفكار العربية بحماية فلسطينيي غزة والحؤول دون "الترانسفير" الذي كان معروضاً عليهم، في مقابل تخلّي "حماس" عن سلاحها. فكيف إن كان العنوان نفسه مطروحاً على "حزب الله" في لبنان.
ولا بدّ من الإشارة إلى انّ زيارتي اورتاغوس ورشاد قد تضيء على جوانب مهمّة من الاستراتيجية الأميركية الجديدة في شأن لبنان، على ان يحمل الموفد المصري التوجّهات العربية. وهو ما قاد إلى السؤال عن الريح التي ستلفح لبنان في المرحلة المقبلة، وقد بات مصدره يتراوح بين نتائج مؤتمر شرم الشيخ السلمية، وتلك الناجمة عن التهديدات الإسرائيلية بالثبور وعظائم الأمور التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس من الجليل الأعلى، مستغلاً وجود اورتاغوس إلى جانبه. وهذه المعادلة ستبقى مطروحة إلى حين التثبت مما سيُطرح على لبنان ومدى قدرته على التجاوب معه، لينجو هذه المرّة مما هو منتظر، مثلما نجت غزة مما كان مطروحاً عليها.