Search Icon

هل قدّمت "بيروت بتجمعنا" الوجه المدني لـ"حزب الله"؟

منذ 6 ساعات

من الصحف

هل قدّمت بيروت بتجمعنا الوجه المدني لـحزب الله؟

الاحداث-  – كتب جورج شاهين في صحبفة الجمهورية يقول:"بعملية قيصرية ناجحة بكل المعايير الانتخابية، فازت بيروت بالحدّ الأقصى الممكن من المناصفة في مجلسها البلدي بصيغة تعاون فذّة قلّ نظيرها، بعدما عبّرت الماكينات الحزبية من طرفَي نقيض في الحياة السياسية والحزبية، عن التزام كان مشكوكاً بتحقيقه. وبهذا تهاوت كل السيناريوهات السلبية التي ضجّت بها الأروقة الحزبية والروحية خوفاً من استنساخ "التجربة الطرابلسية" التي أقصت المسيحيِّين عن مجلسها البلدي السنّي واحتفاظ العلويِّين بمقعد يَتيم. وعليه، ما الذي يقود إلى هذه المعادلة التي عزّزت الخيار المدني على المسلّح؟
عندما غُلِّف التفاهم غير المسبوق الذي جمع الماكينات الحزبية المختلفة في العاصمة في معركة واحدة جمعت مكوّناتها السياسية والروحية والحزبية بمختلف تناقضاتها لأهداف إنمائية وضمان حسن التمثيل في مجلسها البلدي، لم يكن أحد يُصدّق أنّ التجربة ستكون ناجحة إلى هذا الحدّ بكل وجوهها الانتخابية، من دون أن يُتهَم أي من الطرفَين بالتراجع عن ثوابته السياسية والحزبية، أو أن يُشكّل ذلك خطراً جدّياً على قواعدهما، وهي مشكلة كان الطرفان يخشيانها في شكل متساوٍ وبلا مكابرة. وبعيداً من كل أشكال الحملات الإعلامية المتبادلة بما حملته من تعمية على جوانب عدة من أشكال التعاون، توحي بأنّ الخلاف في ما بينها لا يمكن أن يساعد في جمعها على أي عنوان ولو كان تنمَوياً سوى عندما تحوّل حاجة للجميع. وما عزّزه التوقف عند التجربة الفاشلة التي انتهت إليها بلدية بيروت وتعثر المجلس السابق في القيام بأي مهمّة. وكل ذلك كان جارياً في موازاة ما انتهت إليه "التجربة الطرابلسية" قبل أسبوع، والتي قدّمت نموذجاً لم يكن يُريده بعض الأقطاب الطرابلسيِّين الذين لم ينجحوا على رغم من بعض التحالفات المستغربة التي عُقِدت، وكانت تهدف إلى تحقيق تلك الوصفة التي افتقدتها طرابلس منذ فترة طويلة.
على هذه الخلفيات، تحدّثت مراجع بيروتية عن قراءة معمّقة، انتهت إليها انتخابات المجلس البلدي ولوائح المختارين في بيروت، بمعادلة جديدة يمكن لمختلف الأطراف اللجوء إليها، وما وفّرته من ارتياح شامل لتبرير الاستراتيجية التي اعتُمِدت لخوض هذه التجربة بلا أي حرج كان يمكن أن يشعر به الخصوم الذين التفّوا حول اللائحة الجامعة. فقد حفلت الصالونات بالتحسر على التجارب السابقة المطمئنة التي قادها الرئيس الشهيد رفيق الحريري لسنوات عدة قبل اغتياله، ومن بعده نجله الرئيس سعد الحريري الذي غاب عن الساحة الانتخابية ليس في بيروت فحسب، إنّما في كل لبنان بطريقة صادمة إلى حدٍ ما. فهو كان أوحى في زيارته الأخيرة إلى بيروت في الذكرى العشرين لاغتيال والده في 14 شباط 2005، بأنّ تيار "المستقبل" قد قرّر العزم على العودة إلى الساحة اللبنانية، وأنّ مرحلة الاعتكاف قد انتهت، وهو يستعد لخوض غمار العملية الانتخابية في كل لبنان. وهو أمر لم يحصل في ظروف ما زالت غامضة وملتبسة، ولم يتمكن أحد حتى اليوم من تقديم الأسباب الموجبة المقنعة التي جعلته يتراجع عن هذا القرار، بعدما عُدّت تطوّراً طبيعياً تبع سقوط نظام الأسد في سوريا، وحاجة الساحة اللبنانية إلى التنوّع الذي يمكن أن تضفيه هذه العودة على مختلف وجوه الحياة السياسية والحزبية في لبنان.
وأجمعت هذه المراجع على تنوّعها بين سياسي وحزبي وروحي، على الإعتراف بأنّ تجربة "التحالف غير المباشر" الذي جمع القوى المتناقضة حتى العظم، وتجلّى بضمّ لائحة "بيروت بتجمعنا" ممثلين أو أصدقاء للأحزاب والروابط والجمعيات المسيحية بلا استثناء برعاية روحية شبه شاملة، مع "الثنائي الشيعي" ومعهما التكتلات الحزبية والروابط العائلية السنّية وتلك التي يُديرها النائب فؤاد مخزومي والجماعات السنّية المختلفة من "الجماعة الإسلامية" إلى "الأحباش"، لم يكن أحد يُصدّق أنّها ستكون تجربة ناجحة يمكن أن تقود إلى التزام شبه شامل وكامل بتكوين اللائحة بمختلف تلاوينها، والذي قاد إلى فوزها شبه الساحق في مواجهة اللوائح الأخرى التي حملت مواصفات عائلية وسياسية بيروتية مختلفة، إعتقد البعض أنّها ستُشكّل خطراً حقيقياً على حجم التضامن بين القوى المجتمعة التي تجاهلت أطرافها المتنازعة مجمل الاتهامات المتبادلة على حدّتها وقساوتها، التي يمكن اختصارها من جهة بين استحالة مَدّ اليد إلى مَن يُصرّ على الاحتفاظ بما تبقّى من "سلاحه غير الشرعي" في مواجهة تلك التي قالت بحدّها الأدنى بـ "العمالة" وضرب عناصر القوة التي يوفّرها "سلاح المقاومة" من جهة أخرى.
على هذه الخلفيات توسعت رقعة النظريات التي كانت تحاكي العملية الانتخابية، فأعلِن أولاً عن تكليف مَن يرأس اللائحة، وأوكلت إليه تسمية أعضائها بالمفرّق بطريقة تمثل الجميع، فالتقى بهم فرادة ولم يُرصد أي اجتماع خارج المألوف بين الحلفاء، وتناسى الخصوم خلافاتهم واستعاضوا عنها بجمع الأضداد، فيما تولّى نواب وممثلون التواصل مع الجميع لتعميق التفاهم وترتيب الأولويات وتجهيز برنامج عمل بنقاط لا يمكن أن يعترض أي طرف على شكلها ومضمونها، في اعتبارها مطالب إنمائية واجتماعية وبيئية تمسّ وجوه حياة اللبنانيِّين المتعثرة والقطاعات التي تعاني ما تعانيه من شلل في توفير الخدمات لهم. فتوافق الجميع من دون أن يتبادلوا لا السلام ولا الكلام ولا اللقاء.
إنطلاقاً من هذه المؤشرات، انطلقت ورشة العمل مع التحذير من أعمال التشطيب، فالتزم الثنائي الشيعي والأحزاب المسيحية والدروز بالتركيبة البلدية، وإن اختلفت أولويات المخاتير، فلم تُسجّل أي خروقات، فيما عبّرت الخروقات السنّية من أبواب المجموعات العائلية التي لم تلتزم بكل اللوائح كاملة بطريقة أيقظت شياطين القلق في الساعات الأخيرة عندما استحضرت حصيلة أقلام "الطريق الجديدة" والأحياء المجاورة لها التي تُشكّل البيئة الحاضنة لـ "تركة تيار المستقبل" وبعض عائلاتها البيروتية لما تحمله من رموز لا تأبه لما قد يسيء إلى وحدة التمثيل والمناصفة، فكان ما حصل خارجاً عن أي ضمان مسبق، فتعدّدت اللوائح بين تلك الجامعة والتي عكست انقسامات نواب المدينة ومجموعات مدنية وعائلية بطريقة، وإن التقت على بعض العناوين الكبرى فلا تعنيها المعادلات المتوازنة لأنّ "الإيغو" أقوى منها.
ولما تبيّن هزال التمثيل خارج الماكينات الحزبية المنظّمة، ظهر واضحاً أنّ حجم المشاركة الانتخابية تساوت تقريباً بين المكوّنات الشيعية والمسيحية والدرزية ولو بفوارق بمئات الأصوات، لكنّ الساحة السنّية اهتزّت وخرقت التفاهمات الكبرى، فكان الخرق المحدود والذي ستكون له حسابات مؤخّرة، فإنّ التوازن بقيَ مضموناً بالحدّ المرضي ما لم تصحّحه استقالات الخارقين لتبرز في المقابل نظرية كبيرة تتحدّث عن إمكان التفاهم بين أقصى اليمين الحزبي المسيحي والسنّي والدرزي وأقصى طرفَي "الثنائي الشيعي" المسلح، متمثلاً بـ "حزب الله" الذي قدّم وجهاً إنمائياً واجتماعياً ومدنياً يمكن تعزيزه على حساب الأجنحة المسلحة، فتُطوى أكبر العِقد المستعصية التي تقود إلى استقطاب الدعم الدولي للإنماء والإعمار والتعافي، بعيداً من أي قطعة سلاح خارج السلطة الشرعية ما زالت تعوق التوصّل إلى هذه المرحلة المتقدّمة، فترتاح أكثرية اللبنانيِّين إلى مثل هذه المعادلة بإجماع لا لبس فيه.