Search Icon

هل هي "هدنة عيد" ام أبعد منها؟

منذ ساعتين

من الصحف

هل هي هدنة عيد ام أبعد منها؟

الاحداث-  كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية:"تسابقت مراجع سياسية وديبلوماسية على تبشير اللبنانيين بأنّهم سيمضون عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة في أجواء هادئة ومستقرة، تغيب عنها العمليات العسكرية الكبرى. وهو السيناريو الذي تلاقت عليه مجموعة من الخيارات المطروحة. والمحطة التي عززتها الضغوط الأميركية لعبور هذه الفترة في لبنان وغزة وسوريا من دون أي ضمان أبعد من ذلك. وكل هذا يجري في وقت لا يستطيع أحد التكهن بمداها، والمنحى الذي يمكن أن تتخذه الأمور بعد محطات عدة. وهذه بعض الدلائل المؤشرات؟
منذ أن تعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسعي إلى سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط لا يستثني اياً من الساحات الملتهبة، قيل في الأوساط السياسية والديبلوماسية الدولية، إنّ "ترامب جديداً" قد ولد. كان ذلك من على منبر "قمة السلام" التي انعقدت في شرم الشيخ في 13 تشرين الأول 2025 برئاسته المشتركة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وقد شهدت على هذه الخطوة مجموعة من القادة الدوليين الذين التقوا على دعم مبادرة الرئيس الأميركي ببنودها العشرين لإنهاء الحرب في غزة، بعد التوصل الى وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين وإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر، وتشكيل إدارة فلسطينية انتقالية، وتوقيع "وثيقة شرم الشيخ" لإنهاء النزاع وإطلاق عملية سلام شاملة.
لم يكن كل ما تقرّر في تلك القمة قد ولد من فراغ، إنما كان من ثمار الجهود التي بذلها ترامب ومعه مجموعة الدول الخليجية والإسلامية الثماني، التي التقته بعد التطورات الأخيرة التي تلت القصف الإسرائيلي في 9 ايلول الماضي لمنطقة "كتارا" في الدوحة، حيث مقر إقامة أعضاء وفد حركة "حماس" المفاوض في شأن الوضع في قطاع غزة. وهي المحطة التي رسمت حدوداً لما كان يُسمّى الدعم الأميركي لتل أبيب بلا أي حدود، بعدما تحولت قطر دولة صديقة تتمتع بالامتيازات الدفاعية الأميركية بوجود قاعدة "العديد" إحدى أكبر قواعدها الأميركية في المنطقة، والتي سبق أن استهدفتها الصواريخ الإيرانية عقب الضربة الأميركية للمنشآت النووية الإيرانية في 22 حزيران الماضي.
وعليه، ومنذ ذلك التاريخ، تلاقت المراجع الديبلوماسية الأميركية والغربية ومعها بعض العربية، في التشديد على أهمية التوافق على لجم الطحشة الإسرائيلية التي لم يعد لها أي حدود او سقوف في أكثر من اتجاه، والحؤول دون ما يمكن أن تقود اليه أي عملية عسكرية استثنائية غير منتظرة، يمكن أن تعيد الوضع إلى نقطة الصفر. ذلك أنّ معظم الساحات التي التهبت لأشهر عدة، لم تعد تحتمل مزيداً مما شهدته حتى الأمس القريب من ويلات ونكبات، بعد أن تدرّجت وتناسلت منذ ان انطلقت عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول العام 2023. والتي كانت سبباً في تطورها، عدا ما تسببت به من نقزة إسرائيلية وصلت إلى حدّ اعتبارها حرباً وجودية، لتستفيد مما استدرجته من دعم دولي، عوضاً عن السعي إلى تطويقها بالسرعة التي كانت متوافرة، بدلاً من دعم الآلة العسكرية الإسرائيلية في توغلها بعمليات غير محدودة انتهت إلى ما انتهت اليه في لبنان وسوريا واليمن وإيران، وما بينها من حروب جانبية.
ليس في ما سبق، سوى ما يعزز التوجّه إلى التهدئة، وهو أمر لم يعد يخضع للتشكيك، بدليل انّ الادارة الأميركية التي تدعم اسرائيل، بدأت ضغوطها عليها لوقف الحرب. وما حُكي عن الحؤول دون عمليات نوعية خطيرة كان يمكن ان تحصل في لبنان، ليس سوى دليل على هذا التوجّه. حتى انّ تل أبيب نالت تحذيرات أميركية وتأنيباً علنياً وسرّياً، عندما قتلت قادة من "حماس" في قطاع غزة بعد التفاهم على وقف العمليات العسكرية فيه، وهو أمر لم يعد خافياً على أحد.
ولذلك، فإنّ مساعي الإدارة الأميركية تنحو اليوم إلى تعزيز المفاوضات بكل أشكالها على مختلف الجبهات واللبنانية إحداها، وهذا ما يفسّر صدور التطمينات الأخيرة التي تتحدث عن "هدنة الأعياد" في لبنان. ولكن من يضمن ذلك؟ ومن هو القادر على لجم إسرائيل إن نجحت في خرق الضغوط الأميركية وتجاوزها في لحظة ضمور وغدر – كما فعلت سابقاً - بعملية عسكرية في لبنان او في سوريا وربما في إيران، من اجل استدراج قوتها العظمى مرّة أخرى إلى الانخراط مجدداً في الحرب على أي جبهة من هذه الجبهات، التي تشهد حالات من الهدنة غير المعلنة وغير الثابتة والمضمونة، طالما انّه لم يتمّ التوصل بعد إلى أي اتفاق سياسي يترجم موازين القوى الجديدة التي تسعى إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة إلى تكريسها نهائياً تحت عنوان تكوين "الشرق الاوسط الجديد".
وبناءً على ما تقدّم، لا يمتلك أي مسؤول لبناني وغير لبناني، أي ضمان نهائي وثابت بأنّ أجواء الهدنة التي نعيشها يمكن ان تتطور إلى مرحلة تتوقف فيها الخروقات الإسرائيلية نهائياً، كما حصل إبان زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان، بحيث غابت المسيّرات عن سماء العاصمة لثلاثة أيام، وعادت في نهايتها لتواكب طائرته الخاصة بعد لحظات من انطلاقها من مطار بيروت في اتجاه الفاتيكان. ولهذه المعطيات أسباب ومؤشرات عدة، أبرزها ما انتهت إليه بعض الإجراءات اللبنانية المتشدّدة، ومنها تلك التي انطلقت بعد تسمية السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني إلى مفاوضات الناقورة، وما تلاه من مواقف أكّدت جدّية الخطوة بطريقة واكبت شرح قيادة الجيش لما حققته من عملية "حصر سلاح" "حزب الله" جنوب نهر الليطاني، بالحجم الذي لم يكن يتوقعه أحد، في ظل التاكيد أنّ لبنان كان ملتزماً بما تقرّر في القرار 1701 قبل إحيائه ومنذ تاريخ صدوره في 12 آب 2006، وما قال به لجهة إخلاء منطقة الجنوب من أي سلاح غير سلاح الجيش وقوات "اليونيفيل"، قبل أن يكتشف وجود المئات من الأنفاق وقواعد الصواريخ، عدا عن تلك التي لم يصل اليها احد بَعد في المنطقة وخارجها.
وقياساً على ما تحقق، يرهن المجتمع الدولي مساعيه في اتجاه تعزيز الهدنة لتتجاوز عطلة العيدين، إلى ما يمكن ان يُتخذ من إجراءات المرحلة الثانية من عملية جمع السلاح، كما اكّد رئيس الحكومة نواف سلام وأكثر من مسؤول حكومي، سواء انطلقت في منطقة ما بين نهري الليطاني والاولي، او إن اتجهت العملية نحو سهل البقاع فسيان. ذلك انّ المهمّ أن يثبت الجيش قدرته على تنفيذ القرار السياسي المتخذ بحصر السلاح من دون أي طلقة رصاص واحدة، او أي اشكال كما حصل حتى اليوم، ووقف تمادي مالكيه من التغني بوجوده وقدرته على الردع، بعدما ثبت سقوط هذه النظريات كافة، إلى درجة لم تعد تقنع أحداً على الإطلاق.
 

Link Whatsapp