Search Icon

وزير الزراعة يطمح إلى بناء نموذج عالمي في لبنان: هل يمكن وقف إعدام الزراعة بـ«الخيال»؟

منذ ساعة

من الصحف

وزير الزراعة يطمح إلى بناء نموذج عالمي في لبنان: هل يمكن وقف إعدام الزراعة بـ«الخيال»؟

الاحداث- كتبت  زينب بزي في صحيفة الاخبار:"«لبنان قادر على أن يطرح تجربة زراعية ناجحة لتصبح نموذجاً من النماذج الزراعية في العالم»، هذا ما قاله وزير الزراعة نزار هاني يوم الثلاثاء الماضي في الاجتماع الذي عُقد في مقر غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت لعرض الخطّة العشرية للقطاع الزراعي.

وقد أعدّت هذه الاستراتيجية للفترة ما بين 2026 و2035، وفق مقاربة أطلق عليها «تشاركية» تشمل الإدارات الرسمية، التعاونيات، النقابات، البلديات، غرف التجارة والصناعة والزراعة، إضافة إلى المنظمات الدولية والقطاع الأكاديمي، وبالاستناد إلى ثلاثة استبيانات مع المزارعين... كل هؤلاء تمخّضوا حلماً لدى الوزير، بأن يبني نموذجاً زراعياً عالمياً في لبنان، فأنجبوا مجموعة من الخطوات التقنية التي لا يمكن وصفها بأي شكل من الأشكال بأنها سياسة زراعية محلية يمكن أن تتبناها الحكومة، وهي بالتأكيد ليست استراتيجية لنقل القطاع من مرحلة «الإعدام» إلى مرحلة «الإنعاش».

كلام هاني يمثّل مدخلاً للنقاش في مقاربة هذه الاستراتيجية للقطاع الزراعي. فهو أولاً، يبدو واثقاً من نفسه وطموحاً جداً في سعيه إلى بناء «نموذج عالمي». وثانياً، لديه الكثير من التحديّات التي يعجز عن التعامل معها لأن بعضها خارج حدود قدراته «الدنيوية» سواء ما يتعلق بالتغيّر المناخي أو ما يرتبط بتداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير الذي خلّف خسائر بـ800 مليون دولار. ويضاف إلى ذلك أن بعض التحديات يقع في صلب سياسات لبنان الاقتصادية التي أدّت في السنوات الماضية إلى «إعدام» الزراعة. 

رغم ذلك، يبدو الكلام الوارد في الخطّة منمّقاً جداً؛ فهي ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: المُزارع بوصفه محور العملية الإنتاجية، الأرض كقاعدة للموارد الطبيعية والاستدامة، والسلسلة الغذائية بما تشمل من جودة، تصنيع، نقل، وتسويق. وهناك أيضاً محور تمكيني يُعنى بالحوكمة والشراكات والبحث والتطوير. هذه المحاور كما عُرضت لا معنى لها، ولا سيما أن ما عُرض بعدها كان عبارة عن خطوات تقنية لا تفسّر المقاربة وفق أهداف الوزير «العالمية».

صحيح أن الخطّة استندت إلى ثلاثة استبيانات إلكترونية شملت المزارعين، الصيادين، وكبار المصدّرين والصناعيين الزراعيين، وذلك من أجل جمع معطيات عن الحاجات والتحديات القائمة، إلا أنه ليس واضحاً كيف يمكن تحويل الخطوات والمحاور إلى سياسة عامة تتبناها الدولة، لا سيما أن ما قيل في هذا الاجتماع هو تكرار أو ملخّص لخطوات سبق أن أشار إليها وزراء سابقون عن ضرورة تطوير وتحسين الإرشاد الزراعي، وعن الحصول على التمويل، والحماية الاجتماعية للمزارعين، وصولاً إلى إدارة المياه وإعادة تأهيل الأراضي المتضرّرة، وأنظمة تتبع للمنتجات المحلية، وتنظيم استخدام المبيدات، وتطوير الخدمات اللوجستية والتصنيع الزراعي... كلها خطوات «منقولة»، أو على الأقل «معروفة»، ولكن كيف نضعها في سياق التحضير لـ«نموذج عالمي»؟

وفق هاني، سبق أن بدأت الوزارة بتطبيق إجراءات مشمولة بهذه الاستراتيجية، مثل إطلاق برنامج وطني للإرشاد الزراعي شارك فيه أكثر من 13 ألف مزارع، والتركيز على البنى التحتية ولا سيما إدارة المياه، البرك الجبلية، أنظمة الري، والطاقة الشمسية، إضافة إلى إعادة تأهيل ما دمرته الحرب في الجنوب. وهو ينوي تطبيق نظام تسجيل المزارعين والتتبع الزراعي باعتباره أحد أعمدة المرحلة المقبلة، وحتى الآن سجّل أكثر من 70 ألف مزارع ومُنحوا أرقاماً وبطاقات زراعية.

الاستراتيجية المعروضة أقرب إلى عرض للإجراءات والخطوات المكرّرة من حقبات سابقة


في الواقع، تبدو الخطّة عبارة عن «خيال» صرف. فالعناية الواجبة بالبنية الإنتاجية، يجب ألا تكون منفصلة عن سياسات الدولة مع دول الإقليم، لتنسيق حلقات الإنتاج في تداخلها مع حلقات الاستيراد والسيطرة على ما يدخل إلى لبنان وما يخرج منه. فحتى الآن لبنان لا يمكنه أن يسيطر على منتج واحد. لنأخذ البندورة مثلاً، أو البطاطا.

تدخل منها كميات إلى لبنان وفق اتفاقيات عربية قد لا تراعي ظروف المنتج المحلي، وقد لا تكون مفيدة لاستقرار السعر المحلي، بالعكس قد تكون كاسرة له ومغرقة، ما يؤدي إلى الإضرار بالمنتج المحلي بشكل كبير. أما الإنتاج المحلي بحدّ ذاته، ورغم أن مسألة «الإرشاد» الزراعي قد نالت نصيبها من النقاش العلني أيام الوزير حسين الحاج حسن وما تلاه وربما من سبقه أيضاً، إلا أن استعمال المبيدات الزراعية ما يزال يحصل من دون أي رقابة، لأن بيعه يقع في خدمة تجار ومستوردي المبيدات. هذه كلها أمور ظاهرة في لبنان، وما هو ظاهر مثلها أيضاً أن حلقات الزراعة من المنتج إلى المستهلك تهيمن عليها مجموعات تجارية لا يهمها سوى تحقيق الأرباح بكل الطرق المناسبة.

تنطبق هذه الفوضى على الكثير من القطاعات الفرعية للزراعة في لبنان، سواء الزراعات الحقلية أو الأشجار المثمرة وشجر الزيتون، وعلى قطاع تربية المواشي... ورغم أن الزراعة سجّلت في العقود الثلاثة الأخيرة انحداراً هائلاً في حصّتها من الناتج المحلي الإجمالي، وأن موازنة وزارة الزراعة تمثّل 1% أو أقلّ من الموازنة العامة، ورغم أن قروضاً بأكثر من 1 مليار دولار بدّدت مشاريع زراعية لا قيمة ولا مردود فعلياً لها منذ سنوات حتى الآن، إلا أن الوزير يحلم أو يتخايل أن يبني نموذجاً زراعياً عالمياً.

لا ضير من الخيال أو الحلم، لكن عليه أن يقول لنا كيف يحصل هذا الأمر؟ كيف يحصل إذا كان وزير الاقتصاد عامر البساط لم يأتِ على ذكر الزراعة في خطّته الاقتصادية التي تعدّ خطّة الحكومة ورئيسها، إلا بشكل عرضي، فيما كان تركيزه منصباً على الخدمات. هذا الآخر كان يحلم أيضاً بأن يرفع ناتج لبنان الاقتصادي إلى 80 مليار دولار خلال بضع سنوات.

السؤال الذي يجب طرحه هو: هل في الإمكان وقف إعدام الزراعة في لبنان؟ فاقتصاد لبنان كان قائماً في العقود الثلاثة الأخيرة على الخدمات المصرفية بوصفها قناة استقطاب للتمويل الخارجي الذي يصبّ في القطاع العقاري بشكل أساسي ثم في يد الإنفاق العام ثانياً. وهذا الإنفاق العام لم يكن يصبّ ضمن رؤية اقتصادية، بمقدار ما كان عبارة عن قنوات لتوزيع الأموال التي تنفقها الدولة.

تنتهي كل هذه القنوات بيد مجموعة قليلة من الفئات اللبنانية التي أثرت على حساب الآخرين. قالها الحاكم السابق رياض سلامة بالفم الملآن في مقابلته التلفزيونية الأخيرة: وفّرت لهم 450 مليار دولار. أين ذهبت كل هذه الأموال، وما النموّ الذي حققته، حتى يأمل وزير الاقتصاد بأن يعيد اكتشاف الخدمات المصرفية في لبنان بعد «إعدام» السرية المصرفية، وحتى يأمل وزير الزراعة أن ينتهز الفرصة ليحلم بنموذج عالمي؟


200 مليون دولار

هي قيمة القرض الميسّر الذي حصل عليه لبنان من البنك الدولي للإنشاء والتعميم والمخصص لتمويل مشروع التحوّل الأخضر في قطاع الأغذية الزراعية والذي ستقتطع منه مبالغ لتمويل تنفيذ الخطة

Link Whatsapp