الاحداث- كتبت رلى ابراهيم في صحيفة الاخبار تقول:"مَثُلَ وزير الاقتصاد السابق أمين سلام أمس أمام النائب العام التمييزي جمال الحجار، بعد ادّعاء رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل كلود غانم عليه، بناءً على شكوى مباشرة من الوزير الحالي عامر البساط، بتهم متعدّدة تتمحور حول تبييض أموال وتزوير واختلاس وهدر المال العام.
وهذه ليست المرة الأولى التي يخضع فيها سلام للتحقيق، بل سبقتها جلسة الخميس الماضي أمام الحجار نفسه، لكنها انتهت بتركه بسند إقامة مع رفع قرار منع السفر عنه.
ورغم كل ما يدّعيه سلام في كل مرّة عن «مؤامرت» للإيقاع به من قبل شركات التأمين، فقد بدأ هامش تفلُّته من العقاب يضيق جداً، مع اكتمال كل الأدلة والمستندات الموقّعة بقلمه، والتي تُثبتُ صرفه أموال صندوق «لجنة مراقبة هيئات الضمان» على مآرب شخصية، إضافةً إلى قيام شقيقه ومستشاره الاقتصادي كريم، بابتزاز شركات التأمين، مُستخدماً اسمه للضغط على مالكي هذه الشركات.
وهو ما أدّى إلى توقيف مستشار سلام، فادي تميم، أولاً، قبل الإفراج عنه بعد انتهاء محكوميته، ليتم توقيف كريم أخيراً، مع إبقاء التحقيق مفتوحاً مع نقيب خبراء المحاسبة إيلي عبود، الذي كان شريك الأخوين سلام في هذه الفضيحة (راجع «الأخبار» الثلاثاء 9 تموز 2024).
رئيس اللجنة يواجه وزير الاقتصاد
أمس، تواجه سلام وكل من رئيس «لجنة مراقبة هيئات الضمان» الحالي نديم حداد ورئيسها السابق إيلي معلوف أمام النائب العام التمييزي. وخلافاً لتصريح الوكيل القانوني لسلام، سامر الحاج، عن «تطابق في أقوال الثلاثة واقتناع الحجار بكل المستندات التي قدّمها سلام»، علمت «الأخبار» أن حداد أكّد للحجار عدم اقتناعه بطريقة عمل نقيب خبراء المحاسبة، ولا بنتيجة التدقيق الجنائي في حسابات ست من أكبر شركات التأمين، ما استدعى طلبه خفض قيمة عقد الوزارة معه.
كما أشار إلى إضاءته أكثر من مرّة على استخدام سلام أموال صندوق لجنة المراقبة لمصاريف خاصة، ليُبرّر الوزير السابق كل هذا الهدر بأنه كان يتولّى رئاستها لأكثر من سنة، في ظلّ غياب رئيسها، ما سمح له بصياغة تلك القرارات والتوقيع عليها، ما يعني أنه تعدّى على صلاحيات الرئيس التي تنص عليها المادة 4 من قانون تنظيم هيئات الضمان، فضلاً عن مخالفته المادة 52، التي تحصر وجهة صرف أموال الصندوق بعمليات الرقابة، لا السفر والاستجمام، على حساب المال العام.
استأجر سلام سيارة بقيمة 2000 دولار شهرياً على مدى ثلاث سنوات من المال العام
فلجنة الرقابة التابعة لوزارة الاقتصاد تمتلك صندوقاً مالياً مستقلاً، لا يخضع لميزانية الدولة، ولا للمالية العامة، ويتغذى من بوالص التأمين، إذ يحصل الصندوق على نسبة 2 بالألف على كل بوليصة، وهو بمثابة رسم مراقبة. وقد وصلت قيمة الأموال المودعة في الصندوق هذا العام إلى نحو 2.3 مليون دولار.
وتُعدّ الشائبة الوحيدة في الصندوق ارتباط اللجنة بشخص الوزير، وليس الوزارة، ما يتيح له فرض مصاريف على رئيس اللجنة، حتى لو لم يكن الأخير مقتنعاً بها. فالقانون يجيز للوزير إقالة الرئيس بشحطة قلم، ويمنعه من الوقوف في وجهه، كما حصل مع معلوف الذي ترك منصبه في أوائل عام 2023، نتيجة انخفاض قيمة راتبه، واضطراره إلى الخضوع للوزير في كل ما يريده.
وقد صرّح الأخير بكل ذلك أمام الحجار في جلسة أمس. وبات من المفروض تعديل القانون لإتاحة حصول اللجنة على شخصية معنوية مستقلّة تسمح لها بتطوير نفسها، وتحول دون استخدامها من قبل وزراء الاقتصاد، كما يحلو لهم. فالأمر ليس محصوراً بسلام وحسب، بل جرى في فترات متلاحقة على امتداد عدة عهود، استعمل خلالها الوزراء تلك الأموال لدفع تكاليف مرتفعة لاستشاريين، وترميم مكاتبهم، وتسديد نفقات مصاريف خاصة.
«دكانة» آل سلام
في سياق التحقيق، سأل النائب العام التمييزي عن الفترة التي أعقبت ترك معلوف لمنصبه، حين بقيت اللجنة من دون رئيس لمدة تقارب السنة، بشكل متعمّد من قبل سلام، ليقوم بإدارة الوزارة واللجنة معاً، ويأخذ راحته بالصرف من دون حسيب أو رقيب، قبل أن يضطر سلام بعدها، تحت وطأة الشكاوى والاستدعاءات القضائية، إلى تعيين نديم حداد رئيساً للجنة في بداية 2024. وقد حاول الأخير إيقاف كل الصرف العشوائي حتى لا يُتّهم بأي شراكة مع الوزير.
بدايةً راجعَ ملف العقود التي كان يتقاضاها نقيب خبراء المحاسبة إيلي عبود لقاء ما أسماه التدقيق الجنائي في حسابات 15 شركة تأمين، إذ زعم عبود حينها أنها راكمت أرباحاً عقب انفجار مرفأ بيروت تفوق 500 مليون دولار. وأقنع سلام آنذاك أن بإمكانه إحداث ضجة بسبب ذلك، واستخدام أرباح الشركات لإعادة بناء الأهراءات أو التعويض على المتضرّرين. وعليه نصّ العقد مع عبود على أن يتقاضى 70 ألف دولار لقاء كل عقد تدقيق، على أن يبدأ بست شركات، وتُسدّد الوزارة له 210 آلاف دولار كدفعة أولى و210 آلاف دولار أخرى عند تسلّمها التقارير.
وتبيّن لحداد عند مراجعته هذه العقود أن عبود تقاضى الدفعة الأولى ويطالب بالثانية لقاء تقرير هزيل مطبوع على ورقة A4، على أن يتابع التدقيق في الشركات التسع الباقية، ويستحصل على 560 ألف دولار إضافية، ليصل مجموع ما يحصل عليه إلى أكثر من مليون دولار، مع احتساب 10% ضريبة على القيمة المضافة.
عندها طلب حداد خفض قيمة العقود على الفور، رافضاً تسديد الدفعة الثانية، بعد أن ثبت له أن نتيجة التدقيق فضحت أكاذيب عبود، ليرفض إكمال العمل معه، ولا سيما أن رسم المراقبة الذي يُغذّي الصندوق مخصّص لأعمال الرقابة والدراسات لتطوير النظام المالي وتدريب الموظفين، وليس مخصّصاً لعقود وهمية وتنفيعات.
وتبيّن أيضاً، وفقاً للمستندات، أن سلام دأب على سحب 50 ألف دولار شهرياً من الصندوق و2 مليار ليرة لبنانية (ما يعادل 20 ألف دولار كان يُصرّح عنها بالدولار)، واستخدمها لتمويل رحلاته الخاصة إلى المغرب والسعودية وقطر ودول أخرى، إضافة إلى إقامته في الفنادق، واستئجاره سيارة من نوع «تاهو» بقيمة 2000 دولار شهرياً، على مدى ثلاث سنوات، قضاها في الوزارة.
وكان يمكن عوضاً عن استئجارها، شراء سيارة بالقيمة نفسها وإبقاؤها في تصرف لجنة المراقبة، طالما أنها سُدّدت بأموال صندوقها. كما بيّنت العقود أن سلام أبرم عقداً مع أحد المحامين بقيمة 25 ألف دولار لكل فصل من العام، أي 100 ألف دولار سنوياً، فآثر رئيس اللجنة وقفه، بعد تسديد الفصل الأول منه فقط.
اللافت هنا أن الوزير كان يُنصِّب نفسه رئيساً للجنة، في خرق واضح للقانون، الذي ينصُّ على أن يقوم رئيس اللجنة برفع الاقتراحات إلى الوزير، في ما يخص الاستشاريين والتدقيق وكل ما يتعلق باللجنة، بعد استدراج العروض وتحويلها إلى الوحدة المالية للموافقة عليها.
غير أن سلام وشقيقه تعاملا مع أموال الصندوق على أنه دكانة العائلة، فأسرفا في صرف أمواله على مدى سنوات، دون أي محضر سحب، وتحت عنوان «المصاريف النثرية».
وعندما احتدمت الأمور في لجنة الاقتصاد النيابية، وفي الإعلام بداية عام 2024، وغداة استدعائه من قبل المدّعي العام المالي السابق القاضي علي إبراهيم، أعاد كريم 152 ألف دولار إلى حساب الوزارة في «بنك بيروت». وعندما سأل الحجار سلام عن الأمر أمس، أجاب بأنه هو من أعطى المبلغ لشقيقه كي يعيده إلى المصرف، مبرّراً فعلته بالوضع المصرفي الهشّ الذي استدعى إبقاءه الدولارات في حوزته، ليتمكّن من دفع رواتب الموظفين.
مع العلم أن مجموع الرواتب لا يتعدّى 17 ألف دولار شهرياً، ما يفرض السؤال عن مغبّة مراكمة هذا المبلغ الكبير، دون صرفه، والسؤال أيضاً عن المكان الذي كان الوزير «يُخبّئه» فيه، ولماذا أعاده قبيل التحقيق مع شقيقه الذي جمّدت «هيئة التحقيق الخاصة» كل حساباته المصرفية، بما فيها حساب كان يديره لمصلحة شقيقه؟
وبعد كل تلك الإثباتات المقدّمة من لجنة الاقتصاد ومن وزير الاقتصاد عامر البساط، إضافة إلى شهادات الموظفين، هل يجوز إبقاء أمين سلام حرّاً وتشجيع الموظفين العامين على اختلاس الأموال من دون محاسبتهم؟ وهل سيكتفي القضاء بتوقيف مستشار الوزير وشقيقه وقطع حبل التحقيق قبل أن يصل إلى الرأس المدبّر لكل هذا المخطط؟