الاحداث- كتبت سلوى بعلبكي في صحيفة النهار تقول:"في بلد لا يزال يعيش على إيقاع الانهيار المالي، تتصاعد الضغوط الدولية، وتصبح الإجراءات المالية صارمة، ويزداد القلق الشعبي مع كل خطوة تنظيمية جديدة، ما يجعل أي تغيير في النظام المالي مصدر هواجس. في هذا الإطار، عاد مصرف لبنان إلى الواجهة بتعاميم جديدة تتعلق بالتحويلات المالية، أبرزها شرط التصريح عن مصدر الأموال لأيّ تحويل يزيد عن 1000 دولار، ما أعاد النقاش حول قدرة النظام المالي على الانضباط وكسب الثقة من جديد.
التعميم الأخير فرض على كل تحويل يتجاوز ألف دولار تعبئة استمارة RF1، تليها إجراءات اعرف عميلك (KYC) عند الحاجة، ما جعل عملية التحويل خطوة مرهقة ومعقدة بحسب مصادر شركات تحويل الأموال. بعض المتطلبات تبدو "مبالغاً فيها وغير منطقية" مقارنة بمبالغ صغيرة، إذ يطلب في بعض الحالات مستند إثبات راتب، وإثباتات ضريبية، وصولاً إلى تصوير العميل مباشرة داخل مركز التحويل. وهي إجراءات تعتبرها الشركات "غير مألوفة، ولا تُطلب في دول أخرى على اللائحة الرمادية".
المفارقة هنا واضحة: في محاولة لضبط الأموال ومكافحة الأنشطة غير القانونية، قد تدفع الإجراءات الجديدة اللبنانيين بعيداً عن النظام الرسمي نفسه. ومع نسبة كبيرة من مستخدمي خدمات التحويل الذين لا يملكون حسابات مصرفية، يُطرح السؤال: هل يمكن تحقيق رقابة مالية منطقية في بلد يعيش أزمة يومية؟ وهل يمكن موازنة الشفافية المالية مع واقع أن آلاف المواطنين تعتمد معيشتهم على التحويلات؟
وترى هذه المصادر أن التشدد قد يدفع جزءاً من العملاء إلى الامتناع عن استخدام القنوات الرسمية، أو إلى اللجوء لطرق بديلة وغير خاضعة للرقابة، خصوصاً أن نسبة كبيرة من مستخدمي خدمات التحويل ليس لديهم حسابات مصرفية أصلاً، ولا يملكون القدرة أو الرغبة في تقديم هذا الكمّ من المستندات. وتحذر المصادر من أن الإفراط في الطلبات قد يضرّ القطاع ويدفع الناس إلى العودة إلى نقل الأموال نقداً، ما يعاكس هدف التنظيم. وتشدّد على أن الرقابة ضرورية، "لكن ضمن حدود منطقية تسهّل الامتثال بدل أن تنفر الناس منه".
تقليل من الهواجس
وسط هذه الهواجس، يقدّم عضو هيئة الأسواق المالية، الخبير الاقتصادي محمود جباعي، مقاربة مختلفة تحلل الإجراءات من منظور السياق الدولي والواقع المالي، إذ يوضح أن "تنظيم القطاع ضرورة، لكن التنظيم وحده لا يصنع الثقة من دون معالجة جذور الأزمة: الفجوة المالية وهيكلة المصارف".
ويشير إلى أن "الامتثال للمعايير الدولية لم يعد خياراً، بل شرط للبقاء"، مشدداً على أن "الإجراءات الجديدة، وفي مقدمها التصريح عن مصدر الأموال فوق ألف دولار، ليست بدعة لبنانية، بل تطبيق مباشر لمعايير عالمية. فلبنان، الساعي للخروج من اللائحة الرمادية وتجنّب الانتقال إلى السوداء، مضطرّ إلى تحديث أدواته الرقابية، وإلا فسيواجه شللاً مالياً تاماً في تعاملاته الخارجية".
لكن الثقة لا تعود بتعاميم فقط، بل بخطة إنقاذ كاملة. وتالياً يرى جباعي أن "التدابير الحالية مهمة لكنها غير كافية لإعادة السيولة أو الودائع إلى المصارف، وأن الخطوة الحاسمة تبدأ بإقرار قانون الفجوة المالية، تحديد المسؤوليات، ثم إطلاق خطة واضحة لإعادة هيكلة القطاع. ومن دون هذه الأدوات، يمكن للإجراءات التنظيمية تحسين الشكل، لكنها لن تعالج جوهر الانهيار ولن تقنع المودعين بعودة واسعة لأموالهم".
ولا يوافق جباعي الآراء التي تعتبر أن الإجراءات الجديدة تمهّد لشطب ودائع مجهولة المصدر، ويؤكد أن المطلوب هو الشفافية عبر كشف مصادر الأموال، حماية المرسل والمتلقي، ومنع مرور أموال غير قانونية عبر لبنان. أيّ مبلغ يمكن إيداعه أو تحويله إن كان مبنيّاً على أساس قانوني واضح، ما يعني أن التدقيق ليس استهدافاً، بل ضرورة لحماية الجميع.
أما بالنسبة إلى عمل شركات تحويل الأموال، فيرى جباعي أن عملها لن يتراجع بفعل التشدّد الرقابي. فالأرقام تشير إلى أن 6 إلى 7 مليارات دولار تُضخ سنوياً عبر التحويلات، 80% منها عبر المصارف و20% عبر شركات التحويل، ما يعني أن الرقابة الجديدة ستنظم العمل بدل تعطيله، وتمنح القطاع شفافية أكبر أمام الجهات الدولية.