الاحداث- كتب اسكندر خشاشو في صحيفة النهار يقول:"شهدت الأيام الأخيرة تطوّراً بارزاً في المشهد الأمني - السياسي اللبناني، مع إلغاء السلطات الأميركية سلسلة اللقاءات التي كانت مقرّرة لقائد الجيش العماد رودولف هيكل في واشنطن، بما في ذلك اللقاء الرسمي في وزارة الدفاع والاستقبال الديبلوماسي في سفارة لبنان. خطوة مفاجئة في توقيتها ودلالاتها، سرعان ما تحوّلت إلى مادة سجالية في الداخل حول موقع الجيش، وأدائه، وطبيعة علاقته بكلّ من واشنطن و"حزب الله"، في ضوء المستجدّات الحدودية والحديث المتزايد عن حصرية السلاح بيد الدولة.
تلتزم المؤسسة العسكرية صمتاً محسوباً إزاء التطورات الأخيرة، فيما تؤكد مصادرها أنّ الجيش "يقوم بما يستطيع ضمن قدراته وضمن الواقع اللبناني المعقّد"، مشدّدة على أنّ الخطط الموضوعة لحصرية السلاح "جدّية لكنها تحتاج إلى ظروف داخلية وخارجية مؤاتية". فتنفيذ خطة بهذا الحجم تشمل جمع السلاح غير الشرعي، والسيطرة على مناطق نفوذ متشعّبة، وضبط معابر وعُقد أمنية حساسة، يتطلب قراراً سياسياً جامعاً وإمكانات لوجيستية أكبر، وعلى الرغم من ذلك هي ملتزمة تنفيذ القرار السياسي وتقوم بواجباتها، وخطتها تسير وفق المرسوم وكما وضعته.
وفي ما يتعلّق بما يُتداول عن "تباطؤ" الجيش في تنفيذ الخطة، ترى مصادر عسكرية أنّ هذا الكلام "اقتناص للمشهد من زاوية واحدة"، موضحة أنّ المؤسسة العسكرية لا تملك ترف الانزلاق إلى مواجهة داخلية من شأنها تفجير البلاد. لذلك، يفضّل الجيش مقاربة تدريجية تقوم على تعزيز الانتشار خطوة وراء خطوة، ولا سيما بعدما بدأ تنفيذ مراحل أولية من الخطة في بعض النقاط الحدودية.
ويبقى السؤال الأكثر تداوُلاً: هل يميل الجيش إلى "حزب الله"؟ هذا السؤال يُطرح بقوة في الوسطين السياسي والإعلامي، خصوصاً بعد مواقف قائد الجيش أمام الوزراء. غير أنّ المعطيات لا تشير إلى "انحياز"، بل إلى إدارة واقعية للتوازنات القائمة. فالجيش يرى أنّ أي مواجهة مفتوحة مع "حزب الله" قد تعني مشكلة داخلية خطرة، وفي المقابل يظهر التزاماً واضحاً لخطة حصر السلاح التي صادق عليها مجلس الوزراء ويستعد لتنفيذها على مراحل. فالعلاقة بين الطرفين ليست تحالفاً، بل هي تنسيق اضطراري في بعض النقاط، يقابله غياب الانسجام الكامل في ملفات أخرى. وبين هذا وذاك، تحرص المؤسسة العسكرية على الحفاظ على موقعها، بوصفها قوة الدولة الوحيدة القادرة على الاحتفاظ بشرعيتها الداخلية والخارجية في آن واحد.
في المحصلة، يجد الجيش نفسه أمام امتحان مزدوج: تنفيذ حصر السلاح من دون إشعال مواجهة داخلية، والحفاظ على الدعم الدولي وسط ضغط أميركي متزايد، والتعامل مع الاتهامات بالتباطؤ أو الانحياز، فيما يحاول عملياً تجنّب انهيار الدولة وإدارة واقع تتشابك فيه السياسة بالسلاح وبمصير البلاد.