الاحداث- كتبت صحيفة "الجمهورية" حطّ الموفد الأميركي توم برّاك ومعه سلفته مورغان أورتاغوس في بيروت، في زيارة تقرّرت بعد قراري الحكومة بسحب سلاح "حزب الله" والموافقة على أهداف الورقة الأميركيّة التي يبدو أنّها بدأت تقارب على أنّها نافذة، برغم الخلاف الداخلي عليها، وأنّ الموافقة على أهدافها تعني تلقائياً الموافقة عليها بكلّ مندرجاتها، وبالتالي لم تعد ثمة حاجة لجلسات لمجلس الوزراء حولها.
زيارة برّاك هذه، التي ستتبعها زيارة تالية أواخر الشهر الجاري، تأتي على مسافة 12 يوماً من انتهاء المهلة الممنوحة للجيش اللبناني لإعداد خطة سحب سلاح "حزب الله"، وهو الأمر الذي تشوبه تعقيدات، وتتجاذبه من جهة حماسة غير مسبوقة لسحب السلاح، ومن جهة نبرة اعتراض ورفض غير مسبوقة لتسليم السلاح، عبّر عنها "حزب الله" على مختلف مستوياته، حتى ولو أدّى هذا الرفض إلى الإخلال بالسلم الأهلي. كما تأتي هذه الزيارة على المسافة نفسها من التجديد المنتظر من مجلس الأمن الدولي لمهمّة قوات "اليونيفيل" في الجنوب، والذي يخضع لمشاورات وتجاذبات بين الدول حول دور ومهمّة القوات الدولية، وسط حديث متعاظم في أوساط مجلس الأمن عن رغبة واشنطن في إنهاء دورها، يمهَّد لها بتقليص عديدها بصورة تدريجية ومسؤولة، وبالحدّ من الإنفاق عليها "الذي لم يعد مجدياً أو فعّالاً".
لا تغيير
خلاصة زيارة برّاك، على ما تكشف لـ"الجمهورية" مصادر مطلعة على المحادثات التي أجراها مع الرؤساء الثلاثة جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام، أنّ جوهرها هو المجاملة والكلام الجميل. حيث وصف برّاك رئيس المجلس النيابي نبيه بري بـ"شخصية حاذقة له تاريخ مذهل"، والإشادة والثناء على الحكومة وقراراتها، والتعبير عن "اغتباط" واشنطن بما قرّرته الحكومة اللبنانية، وتأكيد دعمها إلى أبعد الحدود وتشجيعها على المضي سريعاً في اتباع الآليات التنفيذيه لما قرّرته، كمعبر إلزامي للوصول بلبنان إلى ما تصفه واشنطن بالازدهار الموعود".
وبحسب المصادر عينها، فإنّ "برّاك استمع إلى تأكيدات كبار المسؤولين على ما يفيد بأنّ لبنان قام بما هو مطلوب منه، والتزم بخارطة الطريق المحدّدة في الورقة الأميركية، وبالتالي فإنّه يعوّل على دعم الولايات المتحدة الأميركية بما لها من نفوذ على إسرائيل، لإلزامها بمندرجات ورقة برّاك. وإزاء ذلك، بدا انّه متجاوب ولكن من دون أن يُلزم نفسه بكلام مباشر أو بأي تطمينات او ضمانات حول هذا الأمر، ما خلا كلام عام عبّر عنه على شاكلة انّ الخطوة الإيجابية التي أقدم عليها لبنان ينبغي أن تُقابل بخطوة مماثلة من قبل إسرائيل".
ولفتت المصادر إلى أنّ برّاك في محادثاته، كرّر بصورة صريحة التأكيد على انّ بلاده لا ترغب في انحدار الوضع في لبنان إلى حال من عدم الاستقرار، وتجنّب ما يمكن أن يُفسّر على انّه تهديد أو تحذير حول أي أمر او لأي طرف، بل اعتمد نقاشاً هادئاً، يصحّ وصفه بالترغيب، ولكن مع إبقاء كرة اغتنام الفرصة التي توفّرها ورقة الحل الأميركي بيد اللبنانيين، باعتبارها تؤسس لمستقبل زاهر لن يطول الوقت حتى تبدأ ارتداداته الإيجابية بالظهور، بما يفتح المسار واسعاً على ازدهار لبنان الموعود، وخصوصاً في منطقة الجنوب، وهو الخيار الذي ينبغي على اللبنانيين أن يسلكوه وفق مندرجات الورقة، ويحاذروا الإنحراف نحو مسار معاكس وما قد ينتج منه من آثار وسلبيات ليست في مصلحة لبنان واستقراره".
وفي السياق، قالت مصادر سياسية مسؤولة لـ"الجمهورية": "إنّ حديث برّاك عن أنّ المطلوب هو خطوة إسرائيلية مقابلة للخطوة اللبنانية ينطوي على تطوّر ايجابي ينبغي التوقف عنده ملياً، اولاً لأنّ هذا الحديث يشكّل تعديلاً في خطاب برّاك الذي سبق وأعلن أننا لا نستطيع أن نلزم إسرائيل بشيء، وثانياً، وهنا الأساس، لأنّه يلقي الكرة في الملعب الإسرائيلي لمقابلة الإيجابية اللبنانية بإيجابية مثلها".
ردّ إسرائيلي سريع
واللافت في هذا السياق، الردّ الإسرائيلي السريع على ما قاله برّاك حول انّ المطلوب خطوة إسرائيلية مقابل خطوة لبنان. حيث نقلت قناة "الحدث" عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله "إنّ إسرائيل ستقوم بدورها عندما يتخذ لبنان خطوات فعلية"، مشيراً إلى أنّ لا نية لإسرائيل بالاحتفاظ بالأراضي اللبنانية، وقال: "إنّ الانسحاب من النقاط الخمس على الحدود مع لبنان سيتمّ بموجب آلية منسقة مع لجنة اتفاق وقف اطلاق النار".
العقدتان موجودتان
وإذا كانت الورقة الأميركية قد باتت سارية المفعول من وجهة نظر الحكومة والأميركيين، فإنّها ما زالت تشكّل عنصر اشتباك حولها مع معارضيها على جبهة الثنائي الشيعي، اللذين يعتبرانها "أسوأ من اتفاق 17 أيار". والكلام هنا لمسؤول كبير في هذا الجانب الذي قال لـ"الجمهورية": "إنّ مشروعاً من هذا النوع لا يمكن ان تُكتب له الحياة مهما تحلّق حوله الداعمون".
ولفت المسؤول عينه إلى انّ "الورقة الأميركية مهما أُغرقت بالمديح والثناء عليها، فهي أمر معقّد يفتقد إلى الميثاقية والإجماع عليه". وسأل: "هل ثمة من يضمن من الأميركيين وغير الأميركيين أن تتجاوب إسرائيل؟"، وقال: "مصير الورقة الأميركية بمعزل عن تأييدها او الاعتراض عليها في الداخل اللبناني يحدّده قرار إسرائيل بشأنها، وهو قرار معلوم سلفاً. فقبل كل شيء يجب أن يعلم الجميع، وخصوصاً الغافلون والمتسرّعون في القرارات، أنّ اسرائيل تريد أن تأخذ ولا تريد أن تعطي، تريد امراً واحداً هو تجريد "حزب الله" من سلاحه، ولا تعنيها ورقة أميركية او غير اميركية، فلقد سبق لها وأعلنت على لسان مستوياتها السياسية والعسكرية انّها ستستمر في عدوانها ولن تنسحب من النقاط الخمس، ثم يجب أن يلاحظ هؤلاء جميعاً وكذلك اصحاب الورقة، انّ اسرائيل تريد ترسيخ احتلالها، فالنقاط التي تحتلها، كانت 5 نقاط وصارت رغم وجود الورقة 6 او 7 نقاط، وربما تصبح اكثر، فما الذي يضمن الّا يحصل ذلك؟".
والأمر نفسه، يضيف المسؤول الكبير، "متعلّق بسحب السلاح والذي هو أكثر تعقيداً، وخصوصاً انّ جميع المعنيين بهذا الأمر، ومن ضمنهم برّاك وشركاؤه، يعلمون علم اليقين انّه صعب التحقيق. ولكن ما يثير القلق في هذا المجال هو العزف المتواصل على وتر انّ مهمّة نزع سلاح الحزب بيد اللبنانيين، فما الذي يقصدونه من ذلك، وإلى أين يريدون أن يدفعوا باللبنانيين".
اللقاءات
على مدى نهار أمس، أجرى برّاك برفقة اورتاغوس سلسلة لقاءات مع الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش العماد رودولف هيكل. وخلص في نهايتها إلى التأكيد على "أننا نتحرّك في الاتجاه الصحيح"، فيما اكّد رئيس الجمهورية للموفد الأميركي انّه "بعد الموقف اللبناني المعلن حيال الورقة التي تمّ الاتفاق عليها، فإنّ المطلوب الآن من الأطراف الأخرى الالتزام بمضمون ورقة الإعلان المشتركة، كما انّ المطلوب المزيد من الدعم للجيش اللبناني وتسريع الخطوات المطلوبة دولياً لإطلاق ورشة إعادة الإعمار في المناطق التي استهدفتها الاعتداءات الإسرائيلية". واما رئيس المجلس، فسأل الموفد الأميركي "عن الإلتزام الإسرائيلي بإتفاق وقف إطلاق النار والإنسحاب من الأراضي اللبنانية إلى الحدود المعترف بها دولياً"، مؤكّداً أنّ "ذلك هو مدخل الإستقرار في لبنان وفرصة للبدء بورشة إعادة الإعمار تمهيداً لعودة الأهالي الى بلداتهم، بالإضافة إلى تأمين مقومات الدعم للجيش اللبناني". فيما اكّد رئيس الحكومة "أنّ القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء إنما انطلقت من المصلحة الوطنية العليا"، مشدّدًا على وجوب قيام الجانب الأميركي بمسؤوليته في الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية، والانسحاب من النقاط الخمس، والإفراج عن الأسرى. كما شدّد رئيس الحكومة على أولوية دعم وتعزيز قدرات القوات المسلحة اللبنانية، مالاً وعتاداً، بما يمكّنها من أداء المهام المطلوبة منها.
برّاك
بعد لقائه الرئيس عون، قال برّاك للصحافيين، إنّه هنأ رئيس الجمهورية وفريقه "على الخطوات الكبيرة التي تحققت إلى الأمام". وقال: "أعرف انّ الكثير منكم يشعرون بالأمل، كذلك نحن نشعر بالأمل. وما حصل في ما يتعلق بمجلس الوزراء والوزراء والأشخاص، محاولة للعودة إلى المكان الذي نعرف فيه الازدهار والسلام اصبح قريباً. ولدينا امور أخرى يجب وضعها سوياً، وأعتقد أننا في الأسابيع المقبلة سنرى تقدّماً في نواحٍ عديدة. التقدّم هو حياة أفضل للجميع، للشعب وللجيران، وعلى الأقل بداية خارطة طريق لنوع مختلف من الحوار مع جميع جيراننا".
وسُئل عمّا بعد القرار اللبناني فقال: "الخطوة المقبلة تتمثل في الحاجة للمشاركة من الجهة الإسرائيلية، كما نحتاج إلى خطة اقتصادية للازدهار والترميم والتجديد لكل المناطق وليس فقط الجنوب. عندما نتحدث عن إسرائيل الأمر بسيط، وعندما نتحدث عن نزع سلاح "حزب الله" فإنّ الهدف من وراء ذلك هو في الواقع لمصلحة الشيعة وليس ضدّهم. إنّ ما كان مربكاً في الإعلام وفي المناقشات والمباحثات هو فكرة وجود قساوة بشكل ما. الفكرة هي انّ الشيعة هم لبنانيون، وهذا قرار لبناني يستلزم تعاوناً من جهة إسرائيل".
ورداً على سؤال آخر قال: "نعم هناك دائماً مقاربة الخطوة خطوة. وأعتقد انّ الحكومة اللبنانية قد قامت بدورها وقامت بالخطوة الأولى، والآن على إسرائيل أن تبادل ذلك بخطوة مقابلة أيضاً".
وعمّا إذا كان "حزب الله" ضدّ هذا القرار قال: "سيكونون قد فَقَدوا فرصة"، لافتاً إلى انّه "لا توجد أي تهديدات، لا أحد يفكر بالتهديد بل بالعكس. في هذه المرحلة من الوقت الجميع متعاون. فيما التعامل مع "حزب الله" وكما قلنا دوماً، هو عملية لبنانية".
"اليونيفيل"
من جهة ثانية، وعشية التمديد لقوات "اليونيفيل" آخر الشهر الجاري، تتسارع المشاورات حول دور ومهمّة هذه القوات، والبارز فيها الدفع الأميركي إلى إنهاء مهمّتها. ويبرز في هذا السياق ما ذكرته وكالة "أسوشيتد برس" حول أنّ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو وقّع في وقت مبكر من الأسبوع الماضي على خطة تقضي بإنهاء عمل قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان (اليونيفيل) خلال 6 أشهر، وذلك بعد خفض كبير في مساهمة الولايات المتحدة بتمويل القوة. وجاء ذلك وفقًا لمسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومساعدين في الكونغرس مطلعين على النقاشات.
وبحسب الوكالة، فإنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب ترى أنّ "اليونيفيل" بعثة غير فعّالة وتشكّل هدرًا للإنفاق، معتبرة أنّها تؤخّر الهدف المتمثل في تقليص نفوذ "حزب الله" وتسليم الجيش اللبناني السيطرة الكاملة على الجنوب.
في المقابل، أشارت "أسوشيتد برس" إلى أنّ الموقف الأوروبي جاء معارضًا للتوجّه الأميركي، خصوصًا من جانب فرنسا وإيطاليا، اللتين حذّرتا من أنّ إنهاء مهمّة "اليونيفيل" قبل الأوان قد يخلق فراغًا أمنيًا يمكن أن يستفيد منه "حزب الله"، وضغطتا من أجل تمديد التفويض لعام إضافي قبل البحث في جدول زمني للانسحاب.