الاحداث- كتب ريشار حرفوش في صحيفة نداء الوطن يقول:"لم تكن زيارة الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل محطة سياسية تحمل في طياتها رسائل واضحة، داخليًا وخارجيًا، خصوصًا أنّها أتت بعد أيام قليلة على القرار الحكومي الصادر في 7 آب، الذي أعاد تثبيت أولوية حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، في خطوة وُصفت بأنها من أكثر القرارات جرأة في السنوات الأخيرة.
منذ العام 2008، شهدت الساحة اللبنانية زيارات متكررة لوفود إيرانية رفيعة المستوى، وكانت معظم اللقاءات مع الرؤساء اللبنانيين السابقين تتسم بلغة المهادنة، والمراوحة بين المجاملة السياسية والابتعاد عن أي مواجهة لفظية مباشرة حول الملفات الحساسة، وعلى رأسها ملف السلاح ودور إيران في لبنان. ففي زمن الرئيس ميشال سليمان، كان الخطاب حذرًا، يوازن بين دعوة إلى "تحييد لبنان" وبين تأكيد على "علاقات الأخوة مع إيران"، والتمسك بإعلان بعبدا الشهير، أما خلال عهد الرئيس ميشال عون، فكانت المواقف في العلن تميل إلى تجنّب التصعيد، فيما تم الاكتفاء في بعض المحطات بتصريحات عمومية حول "احترام سيادة لبنان" من دون الدخول في عمق الخلافات.
لكن المشهد اختلف جذريًا هذه المرة. فقد استقبل الرئيس جوزاف عون الوفد الإيراني برئاسة لاريجاني بلغة سياسية مباشرة وحادة، غير معهودة في لقاءات من هذا النوع. وردًا على الكلام الإيراني، أعلن عون بوضوح: "لبنان الذي لا يتدخل مطلقًا بشؤون إيران لا يرضى أن يتدخل أحد في شؤونه الداخلية".
أضاف أنّ "لبنان راغب في التعاون مع إيران ضمن حدود السيادة والصداقة"، مشددًا على أنّ "اللغة التي سمعناها في الفترة الأخيرة من بعض المسؤولين الإيرانيين غير مساعدة".
وتابع عون مؤكدًا: "أي تحديات تأتي من العدو هي لجميع اللبنانيين وأهم سلاح لمواجهتها هو وحدتهم"، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنّه "من غير المسموح لأي جهة كانت ومن دون أي استثناء حمل السلاح والاستقواء بالخارج"، ومذكّرًا بأنّ "الدولة اللبنانية مسؤولة من خلال مؤسساتها الدستورية والأمنية عن حماية كافة المكونات اللبنانية".
في المقابل، حاول لاريجاني التخفيف من وطأة الموقف، مؤكدًا أنّ "سحب سلاح المقاومة ليس بيد الخارج" وأنّ إيران "تحترم القرار اللبناني"، مضيفًا أنّ "الذي يتدخل في شؤون لبنان الداخلية هو الذي يقدم لكم ويزودكم بورقة ويحدد جدولًا زمنيًا" ملمحًا بالورقة الأميركية الخاصة بحصر السلاح، وختم بالقول: "إيران لا تنوي التدخل في شؤون لبنان الداخلية على الإطلاق".
مصادر سياسية مواكبة قالت لـ"نداء الوطن" إنّ "ما حصل في بعبدا يشكل تحوّلًا نوعيًا في الخطاب الرسمي اللبناني أمام الجانب الإيراني"، خصوصًا أنّه جاء بعد خطوة حكومية وُصفت بأنها "تاريخية" في إعادة تثبيت مفهوم الدولة الواحدة والسلاح الواحد. واعتبرت هذه المصادر أنّ "الرسالة الأهم التي أراد عون إيصالها هي أن زمن التسويات على حساب السيادة قد ولّى، وأنّ لبنان لا يمكن أن يكون ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية".
وتضيف المصادر أنّ "الموقف الذي صدر عن بعبدا هذه المرة لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي، ولا عن التبدّل الواضح في المزاج السياسي الداخلي"، مشيرةً إلى أنّ القرار الحكومي في 7 آب كان بمثابة إعلان مرحلة جديدة من التعاطي مع ملف السلاح، وهو ما جعل اللقاء مع لاريجاني محطة كاشفة لمدى جدية هذا التوجه.
وتلفت المصادر إلى أنّه "في السنوات الماضية، كانت البيانات الختامية لمثل هذه اللقاءات تُصاغ بعناية لتجنب أي عبارات قد تُفسر على أنها انتقاد مباشر لطهران أو لأذرعها في لبنان"، بينما هذه المرة، جاء الكلام الرئاسي ليكسر هذا التقليد، وليضع النقاط على الحروف أمام الموفد الإيراني.
وفي هذا السياق ترى أوساط سياسيّة أنّ "هذا الموقف يحمل أيضًا رسالة مزدوجة إلى الداخل اللبناني: الأولى، إلى القوى السياسية التي لطالما طالبت بموقف حازم من الدولة تجاه أي تدخل خارجي في شؤونها، والثانية، إلى القوى التي لا تزال تراهن على الدعم الإيراني كضمانة سياسية أو عسكرية، بأنّ المرحلة المقبلة ستكون مختلفة في المعايير وفي لغة التخاطب الرسمية".
ومن جهة أخرى، وردًا على سؤال حول ما إذا كان قد طرأ تحوّل في موقف رئيسي الجمهورية والحكومة، أجاب النائب السابق فارس سعيد: "أنا لم أرَ أي تحوّل في موقف رئيس الجمهورية أو في موقف رئيس الحكومة، منذ خطاب القسم والبيان الوزاري حتى اليوم، حاول الرئيسان تفادي الاصطدام، حتى الإعلامي، مع فريق حزب الله، ومدّا يدَهما للحزب حتى يأتي إلى لبنان بشروط لبنانيّة".
أضاف سعيد في حديثه لـ"نداء الوطن": "أعتقد أن لاريجاني حاول القول إن الكلام عن سلاح حزب الله يجب أن يمر عبر الإيرانيين، وهذا ما هو مرفوض من قبل رئيس الجمهورية ومن قبل دولة رئيس الحكومة، فلا إمكانية لأن يمر موضوع السلاح أو أي قرار يصدر عن مجلس الوزراء من خلال إيران".
وتابع: "أتى لاريجاني ليقول إن هذا الملف برمته، أي السلاح، هو سلاح إيراني، والأمر على السلاح هو أمر إيراني، وبدل أن تتحدثوا مع الدولة اللبنانية، على الولايات المتحدة أن تتحدث مع إيران بخصوص السلاح".
وقال: "رد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بشكل منسّق على هذا الادعاء، بأن لبنان هو الذي يقرّر ولبنان هو الذي ينهي هذا الموضوع، وأرى أن فخامة الرئيس منذ اللحظة الأولى موقفه واضح، وكذلك الأمر موقف رئيس الحكومة".
وأكد أن "رئيس الجمهورية تعرّض إلى شيء من الحملة السياسية للقول إنه مقصّر، وإنه غير قادر، وإن الظروف ليست مؤاتية، لكنه اعتبر أن هذه الظروف مناسبة، وسط تكامل القرار الوطني اللبناني".
أضاف: "عمليًا، سلام وعون والحكومة نفذوا أو أخذوا قرار تنفيذ بند من بنود اتفاق الطائف بعد 36 عامًا"، متسائلًا: "كم يجب أن ننتظر لتنفيذ الدستور في لبنان؟ هذا بند من بنود الطائف الذي ينص على بسط سيادة الدولة على كامل تراب البلد، بند لا يتجزأ، والبنود السيادية في اتفاق الطائف جُمّد تنفيذها 36 عامًا للأسف، المرة الأولى بسبب السلاح السوري، والمرة الثانية نتيجة السلاح الإيراني، فقد حان أوان التنفيذ بظروف مؤاتية دولية".
وردًا على سؤال حول تصريحات الموفد الإيراني من عين التينة، قال سعيد ساخرًا: "أنا ما فهمت عليه، كان عندنا إيراني يحكي عربي نفهم عليه ونفهم شو بده، هلأ إجا إيراني يحكي إيراني ما عم نفهم عليه".
بالمختصر، إذا كانت السنوات السابقة قد شهدت ما يشبه "لغة المجاملة الدائمة" في التعاطي مع الوفود الإيرانية، فإنّ ما حصل في بعبدا والسراي مع علي لاريجاني يفتح الباب أمام مرحلة جديدة، عنوانها الصراحة السياسية المباشرة، حتى في حضرة أبرز ممثلي طهران.