الأحداث – كتبت مارلين عواد
أطلق التيار الوطني الحر حملة إعلانية تحت شعار “أموال المودعين يلّي هرّبتوها لبرا ردّوها”، في خطوة، على ما يبدو، تهدف إلى الضغط على الجهات المعنية لاسترداد الأموال المحوّلة إلى الخارج. الحملة، التي انتشرت على لوحات إعلانية في مختلف المناطق اللبنانية، حاولت تقديم نفسها كحامية لحقوق المودعين، لكنها في الواقع لا تعدو أن تكون ستاراً مزخرفاً يخفي المسؤولية الحقيقية للتيار في الأزمة المالية.
الحقيقة المرة هي أن الجزء الأكبر من الأموال التي هُربت نهبها خلال عهد ميشال عون، عندما كان رئيساً للجمهورية. في تلك الفترة، شهد لبنان تفلتاً شبه كامل للمال العام، مع تسهيلات غير مسبوقة للأثرياء والمقربين والفاسدين، الذين استطاعوا نقل أموالهم إلى الخارج بسهولة، فيما عانى المواطن العادي أزمة مالية خانقة لم يسبق لها مثيل. ارتفاع أسعار الدولار، انهيار الودائع المصرفية، وشلل الاقتصاد المحلي، كلها كانت نتائج مباشرة لهذه السياسات، التي حولت حياة اللبنانيين إلى كابوس يومي.
ويطرح السؤال نفسه: لماذا هذه الحملة الآن، بعد مرور سنوات على نهب الأموال، والأموال منهوبة منذ 2019؟ لماذا لم تتحرك الجهات نفسها حين كان المواطنون يرزحون تحت وطأة الأزمة؟ ولأننا اقتربنا من استحقاق الانتخابات النيابية، هل تهدف هذه الحملة فقط لدغدغة مشاعر المواطنين وتلميع صورة التيار الوطني الحر؟
الحملة تروّج لفكرة أن التيار الوطني الحر يقف إلى جانب المودعين، لكن الوقائع تكشف العكس. فبين الشعارات الجذابة واللوحات الإعلانية الكبيرة، لا ينسى المواطن أن الوزير الذي كان يتربع على عرش وزارة العدل كان من التيار، فلماذا لم يتخذ خطوات حقيقية لحماية أموال المودعين أو محاسبة المسؤولين عن الفساد حينها؟
تهريب الأموال بمثل هذا الحجم ترك أثره المدمر على الاقتصاد اللبناني، إذ أدّى إلى تجميد رؤوس الأموال، انهيار النظام المصرفي، زيادة الفقر والبطالة، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. كما أضعف الدولة وجعلها عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية، ما انعكس على التعليم والصحة والبنية التحتية. كل ذلك أدى إلى فقدان الثقة بالسياسات الحكومية وبالمؤسسات الرسمية، وجعل أي حديث عن استرداد الأموال دون محاسبة شديدة الصدقية مجرد شعارات جوفاء.
إنّ استرجاع الأموال المهرّبة لا يتحقق بالكلام أو الشعارات الانتخابية، بل يتطلب شجاعة سياسية، محاسبة جادة، وقوانين واضحة تطبق على الجميع دون استثناء. اللبنانيون لا يحتاجون إلى لوحات إعلانية، بل إلى إجراءات عملية وشفافة، واسترداد حقوقهم بطريقة حقيقية وملموسة.
الشعب اللبناني دفع ثمن الفساد والإهمال السياسي، ويستحق أن يسمع الحقيقة كاملة، بعيداً عن الحملات الدعائية المضللة. الشفافية والمحاسبة الحقيقية هما الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق، وكفى كذباً على الناس!