الاحداث- كتب نخلة عضيمي في صحيفة نداء الوطن يقول:"على وقع الخطاب الدموي للشيخ نعيم قاسم، تمر ثقيلة الأيام الأحد عشر الفاصلة عن نهاية الشهر الجاري موعد تقديم القيادة العسكرية الخطة التدريجية لحصر السلاح إلى مجلس الوزراء.
وإن حسمها قاسم حربًا كربلائية ضد اللبنانيين في خطابه، وهي لم تكن كذلك ضد إسرائيل، رافضًا تسليم السلاح، إلا أن هذا الكلام يعكس حالة التخبط داخل هيكلية "حزب الله" وهذا ليس بغريب. فـ "الحزب" الذي بنى شرعيته على رواية الصراع الأبدي والملحمة المفتوحة، يجد نفسه اليوم محاصرًا داخليًا وخارجيًا، فيلجأ إلى لغة الدم والرموز الدينية كوسيلة لابتزاز مجتمع أنهكه السلاح غير الشرعي، وعطّل مؤسساته.
لكن ما يغيب عن حسابات الشيخ نعيم أن الحروب الداخلية لم تكن يومًا نصرًا للميليشيات، بل على العكس، غالبًا ما شكلت بداية نهايتها.
• في لبنان نفسه، اجتاحت الميليشيات شوارع بيروت (1975 – 1990)، وبدت وكأنها قوى راسخة لا تهزم. لكن في نهاية المطاف عادت الكلمة الفصل إلى الدولة.
• في العراق، تغوّلت الميليشيات الطائفية بعد 2003، لكنها اصطدمت بمحدودية دورها أمام الدولة المركزية، ما أجبرها على التراجع.
• في الجزائر، تصاعدت الجماعات المسلحة في تسعينات القرن الماضي، حتى ظنت أنها قادرة على إخضاع الدولة، لكن الزمن حسم المعركة لمصلحة المؤسسات الشرعية، فيما ابتلعت التنظيمات هزائمها في الصحراء.
• حتى في أفريقيا وأميركا اللاتينية، حركات مسلحة كـ"الفارك" الكولومبية أو الميليشيات الليبيرية، انتهت إما إلى تسوية سلمية، أو إلى تفكك دموي أطاح بها.
من هنا، وللتاريخ، معركة قاسم الكربلائية خاسرة، وهذه نتائج الحرب التي يخوّف بها اللبنانيين، علمًا أنها لن تكون كذلك لأن حسابه سيكون مع الدولة والشرعية والمؤسسة العسكرية.
نتائج الحرب الكربلائية
أولًا: لن يجد قاسم أيًا من الطوائف الأخرى أو القوى السياسية في الداخل إلى جانبه في حربه "الهمايونية"، وسيكون كمن يحارب طواحين الهواء ما سيجعل "حزب الله" منبوذًا وحيدًا يبحث عن حليف أو صديق، وسيضع الطائفة الشيعية رهينة السلاح وغوغائية من ارتهن إلى نظام الملالي في إيران. هذا مع العلم أن التململ داخل الطائفة من كوادر مثقفة ورجال أعمال وأصحاب رأي يكبر يومًا بعد يوم، بعدما تأكدوا أن مسار الانتحار الذي يريده قاسم كرمى لعيون إيران وبرنامج مفاوضاتها النووية سيؤدي بالطائفة إلى المجهول.
ثانيا: الحرب الكربلائية التي يريدها قاسم لن تكون باتجاه اسرائيل، وستخرجه ضعيفًا أكثر مما هو اليوم، وستنهكه أكثر مما انهكته حرب "الإسناد" وستنتهي حتمًا بمعادلة داخلية جديدة لن تربحه شيئًا لا في السياسة ولا في السلاح. والأكيد أن حربه الكربلائية ستنتهي بتسليم السلاح وحتى بنادق الصيد. كما أن هذه الحرب لن تحرر الجنوب ولن تخرج إسرائيل من النقاط الخمس، ولن تمنعها من العربدة في سماء لبنان وصولًا إلى الضاحية. هذه الحرب المقيتة التي يريدها قاسم لن تعيد إعمار الجنوب ولن تعيد الأهالي إلى بيوتهم ولن تبني اقتصادًا لبنانيًا قادرًا على النهوض، ولن تسمح للبنية المالية بالتعافي إلا بعد سنوات وسنوات، الأمر الذي سيساهم باستمرار وقوف أهالي الجنوب على أطلال ما تبقى.
وإذا كان قاسم يراهن على الخروج منتصرًا فيتمكن من هز وحدة المؤسسة العسكرية ويحتل حزبه لبنان ويبني أكبر قاعدة مركزية لإيران في بيروت، فهو أكثر الواهمين، ويعرف أن هذا الحلم سيتحول إلى كابوس ولن يتحقق. وما عليه إلا أن يتذكر أن نظام الأسد المجرم انتهى وانتهى معه تهريب السلاح والصواريخ وتبييض الأموال وتجارة الكبتاغون وبالتالي شح "المال النظيف".
من هنا، فإن التهديد بـ "حرب كربلائية" في الداخل اللبناني، لن يكون سوى حرب عبثية على الذات. فـ "الحزب" قد يملك فائض القوة عسكريًا، لكنه لا يملك فائض الشرعية شعبيًا. فأي مقاومة هذه التي تتحول إلى سيف مصلت على رقاب أبناء الوطن؟
نتائج تسليم السلاح
إذا اختار "حزب الله" العودة إلى لبنانيته سيكون أكبر المنتصرين. فالوحدة الوطنية مع شركائه في الوطن ستتحقق، سيسلم سلاحه إلى الجيش اللبناني وليس إلى اسرائيل، سيجبر المجتمع الدولي القوات الاسرائيلية على الانسحاب وستبدأ مرحلة إعادة الإعمار والعودة إلى تراب الجنوب. الأموال ستتدفق على لبنان وما يجري في سوريا يؤكد ذلك، ستبدأ الاستثمارات والمشاريع، سينتظم النظام المصرفي، سيعود المغتربون إلى دولة لبنان واثقين بالمستقبل، ستفتح المناطق على بعضها وتتنفس الطائفة الشيعية الصعداء، سيعود المغتربون من أفريقيا، عدد كبير منهم رجال أعمال من الطائفة الشيعية ليساهموا في بناء الاقتصاد، وسترفع العقوبات ويعود لبنان إلى الزمن الجميل.
رسالة إلى الشيخ نعيم:
التاريخ يقول كلمة واحدة: لا ميليشيا تعلو على الدولة إلى الأبد، وكل ميليشيا رفعت السلاح على شعبها انتهت إلى الهزيمة. قد تفرض وقائع، قد تربح جولات، لكنها تخسر الحرب الكبرى لأنها تعجز عن أن تحكم دولة.
إن "الحرب الكربلائية" التي يتوعّد بها، إنما هي كربلاء "الحزب" نفسه، لأنها ستكون لحظة انكشافه النهائي: ميليشيا خارجة عن القانون، تقاتل شعبها بدل أن تحميه، وتدمر وطنها بدل أن تبنيه.
لبنان أكبر من "حزب"، وأقوى من سلاح، وأبقى من كل ميليشيا. وحين يحين وقت الحساب، لن تبقى إلا الدولة، وكل سلاح مواز لها هو لعنة على أصحابه قبل أن يكون على شعبه. اليوم "حزب الله" يلوّح بـ"كربلاء" جديدة، لكن كربلاءه لن تكون إلا نهايته.
لن يحكمنا السلاح، ولن تخضع بيروت وطرابلس وجونية وصور والنبطية لوصاية ميليشياوية. نحن أبناء الدولة، لا أبناء إمارة حزبية.
وساعة المواجهة الكبرى لن تكون بين اللبنانيين، بل بين الدولة الشرعية وبين ميليشيا قررت أن تضع نفسها خارج التاريخ.
فليدرك "حزب الله": لقد آن أوان سقوط أسطورة السلاح. لبنان باقٍ، أما الميليشيا، فمصيرها إلى زوال.