الاحداث - كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"ليست المرّة الأولى التي يوجّه فيها الموفد الرئاسي الأميركي إلى سوريا توم برّاك ملاحظاته القاسية إلى المسؤولين اللبنانيين، خصوصاً إن أُجريت المقارنة بين إطرائه المتجدّد على ما تحقّق على الساحة السورية، وبين ما يجري في لبنان. ولذلك لا يمكن اعتبار مواقفه حول لبنان إشارة واضحة إلى عقاب جديد، إنما للحضّ على مزيد من التقدّم في بعض الخطوات، ولا سيما منها تلك الخاصة بحصر السلاح. وهذه بعض المؤشرات
في ظل صمت الموفدة الرئاسية الأميركية مورغان اورتاغوس المُطبق منذ استعادتها مهمّتها اللبنانية في آب الماضي، كرّر برّاك تحذيراته السلبية للمسؤولين اللبنانيين من بعيد، منبّهاً من مخاطر التردّد في اتخاذ الخطوات المطلوبة على اكثر من مستوى، ولا سيما منها تلك المتصلة بحصر السلاح ووضعه في عهدة الجيش اللبناني، وهو ما دفع إلى إعادة قراءته والتوقف عند المؤشرات التي أوحى بها، خصوصاً على مستوى المفاوضات مع إسرائيل، بعد إجرائه مقارنة بين السياسة التي يعتمدها الرئيس السوري احمد الشرع، والحركة الديبلوماسية التي يخوضها وزير خارجيته اسعد الشيباني في أكثر من اتجاه، حتى بلغت موسكو قبل ايام.
وفي هذه الأجواء، قالت مصادر ديبلوماسية، إنّ من الصعب احياناً فَهم ما يريده برّاك. فهو منذ فترة بعيدة يوجّه اللوم بطريقة غير ديبلوماسية إلى المسؤولين اللبنانيين، في ظل معطيات يستند اليها قد لا تكون ثابتة وواضحة في معظم الأحيان. واعتبرت أنّ حديثه أمس عن "الخطوات الشجاعة التي يقوم بها النظام السوري الجديد نحو اتفاق حدودي، يأمل بأن يكون تطبيعًا مستقبليًا، يمثّل الخطوات الأولى نحو تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل"، أمر غير طبيعي. ذلك انّ كل المواقف السورية والمعطيات المتوافرة لم تُظهر وجود أي تقدّم لجهة اي اتفاق محتمل مع إسرائيل، قبل أن تعيد انتشارها خارج الاراضي السورية المحتلة والمنطقة العازلة التي أقيمت عقب حرب العام 1973، وإعادة الاعتبار إلى فريق المراقبين الدوليين وقوة "الإندوف" التابعة للأمم المتحدة المنتشرة في المنطقة، منذ ذلك التفاهم الذي أُنجز عام 1974 بعد عام على نهاية تلك الحرب.
وعليه، فإنّ الدافع إلى مزيد من الاستغراب بات منطقياً عند إجراء المقارنة بين هذه التطورات على الساحة السورية التي لم يتلمسها، ولم يعترف بوجودها أحد. ولذلك فإنّ مطالبته بـ "أن يكون نزع سلاح "حزب الله" الخطوة الثانية" لها، أمر غير مستغرب على الإطلاق. ذلك انّ مثل هذه المعادلة لا يمكن التثبت من وجودها، عدا عن انّها غير منطقية إطلاقاً. فما يجري على الساحة السورية ليس له اي ارتباط بما يجري في لبنان، وهو أمر لا يقلّل من أهمية أن يمضي لبنان في تنفيذ قرار "حصر السلاح" غير الشرعي، ليس لتحقيق أي مطلب لجهة خارجية، إنما لكي تستعيد الدولة الثقة المفقودة بمختلف وجوهها الداخلية والإقليمية والخارجية منذ فترة طويلة. وقد يكون التأخير في تنفيذ قرارات مجلس الوزراء الأخيرة المتخذة في جلسات 5 و7 آب و5 ايلول الماضيين، مناسبة لاستعادة الحدّ الأدنى منها، وفرض مزيد من الضغوط على الجانب الإسرائيلي، لملاقاة أي خطوة لبنانية إيجابية بمثلها.
ولذلك، فُهِم أنّ موقف برّاك لا يعدو كونه حضاً على مزيد من الخطوات اللبنانية المطلوبة من أهل السلطة. بالإضافة إلى اعتبار انّ أي خطوة من هذا النوع تعزز موقف لبنان المفاوض على اكثر من طاولة، وخصوصاً على مستوى اللجنة الخماسية العسكرية التي تشرف على مختلف الخطوات المقررة منذ تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 وحتى الأمس القريب، منعاً للوصول إلى ما تحدّث عنه برّاك من معادلة تخيّر لبنان بين "انتهاز فرصة التجديد الوطني أو البقاء غارقًا في الشلل والتدهور". والحؤول دون الانتقال إلى الخطوة "باء"، التي كرّر اكثر من مسؤول أميركي الإشارة اليها، بقول برّاك أيضاً "إنّه يجب على الولايات المتحدة دعم بيروت للانفصال سريعًا عن ميليشيا "حزب الله" المدعومة من إيران، وتحقيق التوافق مع إيقاع مكافحة الإرهاب في منطقتها، قبل أن تستنزفها موجة جديدة من عدم التسامح مطلقًا مع المنظمات الإرهابية".
وإلى هذه المعطيات، توقفت المصادر الديبلوماسية أمام إشارات برّاك التحذيرية الواضحة، التي لا تحمل جديداً يمكن الركون اليه، عندما وضع "الجناح العسكري" لـ "حزب الله" في مواجهة "حتمية كبرى" مع إسرائيل في "لحظة قوتها" وفقدان الدعم الإيراني لـ "وجود طهران في أضعف نقاطها". من دون أن يوفّر المواجهة التي تنتظر "الجناح السياسي" للحزب من "عزلة محتملة مع اقتراب انتخابات أيار 2026". وكل ذلك، لا يعدو من الإشارات التي تنبئ بأي عمل عسكري محتمل يمكن ان تقوم به إسرائيل - من خارج اعتداءاتها اليومية على لبنان التي توزعت بين جنوبه وبقاعه - قبل ان تنطلق الخطوات الأولى المقررة في غزة وفق الخطة الموضوعة للقطاع بمختلف وجوهها العسكرية والإدارية والإغاثية والإنسانية، حيث من الممكن التفكير بالخطوات اللاحقة، ومنها الحديث المنتظر عن أي تحرّك أميركي او خليجي في اتجاه لبنان. وفي حسابات هذه المصادر، انّها لم ترصد بعد اي موعد جديد لموفد أميركي أو عربي منذ إعلان نتائج "قمة السلام" في شرم الشيخ، وما يمكن ان تكون لها من انعكاسات على الساحات الاخرى غير الفلسطينية.
وبمعزل عن كل هذه المحطات وما تحمله من دلائل ومؤشرات، فقد قرأت مراجع سياسية وديبلوماسية في الحراك على الساحة اللبنانية، وخصوصاً ما انتهى إليه اجتماع رئيس الجمهورية جوزاف عون أمس مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد أيام قليلة على مشاوراته مع رئيس الحكومة نواف سلام في شأن مصير المفاوضات المطروحة على لبنان، مدخلاً إلى خطوة ما منتظرة. ذلك انّ في كل ما يجري من توقعات بأمر ما، يوحي بخطوة دولية وإقليمية تجاه لبنان لتحريك ملفاته، بطريقة تضمن الحدّ الأدنى من التهدئة إن صحت التوقعات، بأنّ ما هو مخطط له بات على النار للبت النهائي بأهمية المواقف الأميركية التحذيرية، إن كانت إشارات إلى مهل نهائية تسبق "العملية العسكرية" الإسرائيلية، إن تقرّر التعاطي مع لبنان على غرار التعاطي مع حركة "حماس". وهو أمر لا يمكن البتّ به نهائياً، قبل ان تظهر أي خطوات ديبلوماسية قصيرة المدى قبل أن تتحول عسكرية.