Search Icon

هل ضاعت "ورقة لبنان" أم أنًها حاضرة في ملفات المنطقة؟!

منذ 6 ساعات

هل ضاعت ورقة لبنان أم أنًها حاضرة في ملفات المنطقة؟!

الاحداث  - كتب جورج شاهين في صحيفة الشرق الاوسط يقول:"لا نفع من الشكوى المتداولة من حجم الإهمال الدولي لما يجري على الساحة اللبنانية أخيراً. ومن  اعتقد أنّ استبدال رئيس اللجنة الخماسية المكلّفة الإشراف على تطبيق القرار 1701 بآخر مقيم في لبنان سيحرّك الديبلوماسية الاميركية كان مخطئاً. ذلك أنّه تناسى اهتمامها بالمبادرات الأميركية الطارئة التي واكبت حواراً مباشراً مع إيران ومع "الحوثيين" و"حماس" من دون علم حلفائها والخصوم. وعليه، طُرح السؤال": هل ضاعت "ورقة لبنان" في ملفات المنطقة، أم أنّها ما زالت حاضرة فيها؟
ملّ الديبلوماسيون العرب والغربيون ومعهم مجموعة الموفدين المكلّفين الملفات اللبنانية الصغيرة والكبيرة من تحذير أهل الحكم والحكومة في لبنان من تفويت مزيد من "الفرص الذهبية" التي مُنحت حتى اليوم للخروج من أول أنفاق الأزمة التي تشعبت، حتى مسّت مختلف وجوه حياة اللبنانيين في مختلف مناطقهم وعلى مستوى طوائفهم ومشاربهم، والمقيمين على الأراضي اللبنانية من نازحين ولاجئين وضيوف، إلى ما هنالك من كل أشكال الإقامة الشرعية وغير الشرعية. فالفرص ليست متاحة في كل آن وأوان، أو غبّ الطلب على قاعدة "إطلب وتمنّى". وإنّه كان عليهم العمل ما بوسعهم لتجنيب بلادهم الغوص في مستنقعات الآخرين وجرّ اللبنانيين إلى مسارح كبيرة لا يحتمل لبنان ثقلها أياً كانت أهدافهم وهوياتهم وآراءهم، إلى أن تحوّل البلد مجرد ورقة في كل ملف من معظم ملفات المنطقة.
ليس في ما سبق مجرد نظرية متهالكة يردّدها البعض، إنما هي جاءت على لسان ديبلوماسي عربي مخضرم يعرف لبنان أكثر من اللبنانيين، وخصوصاً انّه لعب أدواراً كبيرة في الأحداث الممتدة منذ خمسة عقود ونيف، تجاهل خلالها البعض قدرات لبنان واللبنانيين على تحمّل أعباء خيارات همايونية وقضايا كبرى معقّدة يمكن أن تتلاعب بها القوى الإقليمية والدولية، نقلوا من خلالها البلد إلى ساحة تتبدّل فيها موازين القوى بين حاضنة وأخرى، ومن وصاية غريب إلى وصاية قريب، بطريقة تحوّل فيها مشلّعاً بين مجموعة من السيناريوهات التي أفرزتها سياسات المنطقة واستراتيجيات حوّلته منطقة نزاع نموذجية في وقت فَقَد فيه اللبنانيون مناعتهم السياسية والوطنية والمالية بعدما أفلسوه وحولوه بلداً مارقاً غابت عنه كل أشكال السلطات الإجرائية والتنفيذية والتشريعية والقضائية والإدارية والنقدية، وبقي معلّقاً على حبال سلطة عسكرية بقيت أداة إنقاذ وحيدة ممسكة بأمنه واستقراره الهش بالحدّ الأدنى المطلوب.
وانطلاقاً من هذه الخريطة الفسيفسائية، افتقد المراقبون المحليون والدوليون المحايدون الرؤية الواضحة لمستقبل الأوضاع، فالحركة السياسية التي نشأت مع انتخاب رئيس للجمهورية بعد 26 شهراً من خلو سدّة الرئاسة وعامين وثلاثة أشهر من الحرب المدمّرة التي اقتيد اليها، وتشكيل حكومة بكل مواصفاتها الدستورية بعد ثلاثة اعوام وشهرين على تولّي حكومة مهمّة تصريف للأعمال، وعلى عتبة تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 الذي جمّد العمليات العسكرية لم يقلع بعد. ولم يعط أهل الحكم بَعد مثلاً كافياً على أنّ سلطته قادرة على تنفيذ ما تعهّدت به بموجب ذلك التفاهم، وما يجب القيام به لإنقاذ البلاد والعباد تمهيداً للخروج من مآزق متعددة كادت تودي بهم إلى "الإنهيار الكبير".
وعليه، فإنّ الوضع الذي تعيشه البلاد اليوم بات على قاب قوسين او أدنى من أن يخطو الخطوة الأولى إلى الإنقاذ وإعادة الإعمار. وأما العودة إلى لغة الحرب والتدمير، فالسيف المصلت على رقاب اللبنانيين ما زال قائماً في مرحلة هي الأدق. وجاء تجميد العمل بكل أشكال الوساطات التي تمنّاها اللبنانيون، بما فيها مسلسل المؤتمرات الدولية والإقليمية لعرض خطط إعادة الإعمار وإنعاش الحركة الاقتصادية، في انتظار ما ستتكشف عنه المبادرات الأميركية الكبرى التي أطلقها الرئيس الأميركي التي اجتاحت العالم والمنطقة، ليتبين موقع لبنان فيها وما يمكن أن يحصده من وعوده بالأمن والسلام والانتعاش الاقتصادي.
وفيما كانت الجهود منصبّة لإنهاء الوضع في لبنان جاء التردّد في اتخاذ بعض الخطوات التي ترسخ السلطة الشرعية على كل الأراضي اللبنانية ليزيد في الطين بلّة. وما عززها إعطاء قوات الاحتلال الإسرائيلي الحجة تلو الأُخرى من خلال إصرارها على البقاء في نقاط أمنية لا قيمة عسكرية او استراتيجية لها، للتردّد في عملية جمع السلاح غير الشرعي من كل لبنان في وقت انطلق اكثر من ورشة كبرى لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة والعالم.
ولتبرير الربط بين هذه التحركات والجمود في الداخل، نجح المترددون الخائفون من قيام الدولة إلى ربط بعض الخطوات بما يمكن أن تحققه بعض المبادرات الكبرى. فبعد سقوط النظام السوري وفرار رئيسه، ليبرر البعض الحاجة إلى سلاحه لحماية بيئته من عدو جديد استُنسخ من أرض كان هذا السلاح يتحكّم بجزء منها، وطالما أنّه اعتُبر سلاحاً إقليمياً من أذرع إيران، بات ينتظر تقدّم المفاوضات الأميركية - الإيرانية في شأن الملف النووي ومصير حلفائها في المنطقة، قبل أن يتوصل ترامب إلى مجموعة تفاهمات أعادت خلط الأوراق في المنطقة، فأعلن عن تفاهم مع مجموعة "الإرهابيين الحوثيين" اليمنيين، وأخرى تلبس قميص "حماس" في قطاع غزة، وتخضعان لشتى أنواع العقوبات الأميركية والغربية من أجل إرساء  ما يسمّيه ترامب "سلاماً مفقوداً" في المنطقة على أنقاض تفاهمات مع خصومه وحلفائه على حدّ سواء، لتزيد من حال الارتباك والغموض تجاه مستقبل قريب لا يمكن تقدير ما سيحمله من تداعياتها.
وبناءً على كل ما تقدّم، يرتفع الرهان على مجموعة القمم التي سيعقدها ترامب في الرياض، سواء على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي أو على مستوى برامج التطبيع التي ينوي إحياءها مجدداً. وربما لن تكون ممكنة قبل ان يقدّم للمملكة التي ستستضيف هذه القمم الكبرى ما تطالب به على الأقل من اعتراف بمبدأ حل الدولتين، لتكوين نواة "الدولة الفلسطينية" التي طال انتظارها. وترك المجال أمام الخطة العربية لإعادة إعمار غزة لترى النور وتكوين السلطة التي تديرها  من دون تهجير اهلها إلى أي بقعة أخرى.
ولا ينسى الديبلوماسي العتيق التذكير بأنّ كل هذا الحراك الإقليمي والدولي الناشط يجري على وقع حديث ترامب عن "رحلة إلى الشرق الأوسط ستكون تاريخيةً"، وجمود في ملفات لبنان. فلا حراك ديبلوماسياً تجاهه ولا حديث جدّياً ومفيداً عن مستقبل الوضع في الجنوب وإعماره، بحيث قد يتحول وعداً عرقوبياً يقترب من الوهم إن تزامن مع  إعادة إعمار غزة وسوريا واليمن معاً. ولذلك فقد جدّد الدعوة إلى البحث عن "ورقة لبنان" للتثبت من إن تكون نسخ منها وضعت في ملفات مفتوحة على مجهول من طهران إلى انقرة وموسكو والرياض واليمن وغزة وسوريا، وربما وجدت نسخة في ملف أوكرانيا أيضاً وما يجري بين الهند وباكستان. ومن لديه نظرية أكثر تفاؤلاً فليتفضل بها.
ـ&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&