Search Icon

هل من "ناتو جديد" خاص بالمنطقة؟ ومتى تظهر معالمه؟

منذ 4 ساعات

من الصحف

هل من ناتو جديد خاص بالمنطقة؟ ومتى تظهر معالمه؟

الاحداث - كنب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"مما لا شك فيه أنّ أحداث 13 تشرين الأول 2025 ستدخل التاريخ من بابه العريض، لا سيما منها تلك المواقف التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما بين تل أبيب وشرم الشيخ، وما سينتهي إليه "مؤتمر السلام" الذي يرأسه بالشراكة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وهو يوم لن يؤذن بإنهاء الحرب في غزة فحسب، بمقدار ما يوحي بنهاية مسلسل الحروب الإسرائيلية ـ الفلسطينية والعربية، في انتظار بعض "الرتوش" التي تحتاجها لإنهاء بقية الحروب التي نمت على جوانبها في الطريق إ،لى ولادة "ناتو جديد" خاص بالشرق الأوسط، مهما طال الزمن.
لم يعد صعباً على الإدارات الأميركية العميقة وحلفائها تقديم تصور للمرحلة المقبلة. فهم الذين قادوا الحروب في العقدين الأخيرين على مساحة الشرق الاوسط، قبل أن تندلع في العامين الماضيين على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتلك المحررة كما في لبنان وسوريا وأبعد منهما قليلاً في إيران والعراق واليمن، التي شكّلت مجموعة الجبهات الأخيرة التي انطلقت شرارتها من عملية "طوفان الأقصى" وما رافقها من جبهات تناسلت وتشابكت، إلى أن تحولت حرباً واحدة بمعايير وأشكال ومناسبات مختلفة، بعدما جُنّدت لها الطاقات الدولية العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية، إلى أن وصلت الامور إلى اكبر تفاهم يمكن التوصل إليه في القرن 21.
ولا يمكن للمراجع السياسية والديبلوماسية أن تتجاهل أهمية ما بلغته التطورات المأسوية في المنطقة، وهي تتطلع إلى الحشد الدولي الملتئم في شرم الشيخ لطي الصفحات السود منها نحو أخرى مفتوحة على شتى الأحلام بالأمن والاستقرار. وهو أمر عبّرت عنه في حجم وشكل وأهمية ما جمعته هذه القمة الاستثنائية بمن دُعي إليها وحضر، ومن دُعي اليها فاعتذر ولم يحضر، ومعهم أولئك الذين تمّ إقصاؤهم او تجاهلهم فسيان. فالجميع يدرك انّ كل ما سيتقّرر في هذه القمة، لن يقف عند من شارك فيها ومن غاب وسيطاً لهم جميعهم بكل أصنافهم الراضين منهم، المتمنين والمكرهين إن لم يكن في الغد القريب ففي الأيام التي تليه.
لقد بات واضحاً لدى هذه المراجع، انّ مجريات الأحداث الأخيرة وتوسّع رقعتها على مساحة عدد من دول المنطقة والقريبة منها، قد تحولت ساحة واحدة تحت سقف المواجهة غير المسبوقة بين حليفين كبيرين، أحدهما تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ومعها مجموعة من الحلفاء الذين جمعتهم من قارات مختلفة، وحلف آخر تتوزع مصادر القوة فيه بين روسيا والصين وإيران وحلفائهم من المشارب كافة، ومعهم من فَقَد حضوره فيها، وبات على هامش الإدارات الجديدة التي نشأت فيها او تلك الجاري تحضيرها على الطريق، في محاكاة لشرق أوسط جديد بدأت مؤشراته تتولّد من رحم الأحداث الدموية التي أنهت قوى وأذرعاً وأبعدت قوى اقليمية ودولية عن مسارح، لطالما كانت لها في السنوات القليلة الماضية.
وإن توقفت هذه المراجع أمام ما شهدته الزيارة التاريخية للرئيس دونالد ترامب لإسرائيل، فإنّها أوحت بكثير من ملامح المرحلة المقبلة. فهو مصرّ على انّ ما تحقّق سيقلب الوضع في المنطقة رأساً على عقب، من موقع القوة التي تباهى بها، بعد الإشادة بالصناعة العسكرية الأميركية وما لديها من قدرات خارقة لا تضاهيها أي صناعة أخرى. وهي إشادة غير مسبوقة، بعدما لمح إلى وجود اسلحة جديدة لم يختبرها أحد بعد، وقد اصبحت في عهدة الجيش الإسرائيلي، بعدما أوكل اليها دوراً كبيراً في المنطقة تحت سقف الدور الأميركي الذي بات يدير المنطقة بلا منازع، وقد غيّر مواقع القوة فيها. فأضاف إلى قوة البعض قدرات إضافية، وأحيا أخرى على حساب من تمّ تحجيمهم أو تغييبهم عنها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وإلى هذه المؤشرات، عبّر ترامب في خطابه التاريخي أمام الكنيست الإسرائيلي، عن عنجهية خارقة وفخر غير مسبوق، تزامناً مع تباهيه بعلاقات إدارته، متوقفاً أمام هويات رجالاته وقادة إسرائيل، من دون أن يتجاهل ما قدّمته الدول العربية والإسلامية الأخرى من جهد، حاصراً إنجازاتهم بأمر القضاء على حركة "حماس" وسلاحها والإفراج عن الأسرى، متجاهلاً التحول الكبير في موقفه من كل ما جرى ويجري في تنازله عن معظم مطالبه ورؤيته لمستقبل قطاع غزة. وهي عملية يمكن اختصارها بالتراجع الدراماتيكي عن مطالبه بشرائها لتحويلها "ريفييرا الشرق" وطرد سكانها وتوزيعهم حيث يشاؤون في أي بلد في العالم، لينتقل إلى ضمان عفو عام عن قادة "حماس" ونظيراتها، وترك الحرية لأهلها للبقاء فيها او المغادرة، تزامناً مع رفضه ضمّ الضفة الغربية إلى إسرائيل والتعهّد بإعادة بناء ما تهدّم، بعدما وفّر ممن يمتلكون المليارات التي تحتاجها العملية، وتوفير الظروف الفضلى لأبنائها للعمل فيها والعيش الكريم تحت إدارة دولية لا مثيل لها في العالم، ولفترة وجيزة تمتد لخمس سنوات.
وكما منح ترامب العفو لقادة "حماس" ممن يرغبون في البقاء فيها، تقدّم بطلب من رئيس الدولة والكنيست الإسرائيليين بعفو مشابه لبنيامين نتنياهو، منعاً لدخوله السجن فور تركه السلطة في أي وقت، وتعويضاً له عمّا قدّمه من خدمات لبلاده وللولايات المتحدة الأميركية، لا نظير لها في تاريخ العلاقات بين البلدين. كما لم يوفّر تجديد الوعد بسلام شامل في المنطقة، مبني على أساس السلام والأمن والاستقرار، منوّها بما جرى في لبنان وما ينتظره من هذه العملية، كاشفاً عمّا يقدّمه من دعم لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون، ولافتاً إلى إصراره على جمع سلاح "حزب الله" تمهيداً للإعمار المنتظر.
وإن كان الوقت لم يحن بعد لتناول خطاب ترامب أمام الكنيست، بكل ما يحمله من رسائل في اتجاه الدولة اليهودية، وما وفّر لها من دعم لملاقاة خطابات الشكر والإشادة الإسرائيلية التي عبّر عنها القادة الإسرائيليون الذين سبقوه إلى الكلام. إذ لا يمكن تجاهل ما حمله خطابه الذي وصف بأنّه "الأكثر توازناً" في تاريخ خطاباته ومواقفه – وهو ممن لم يقفل فمه في الفترة الأخيرة -  فلم يوزع التهاني على قادة إسرائيل وأميركا فحسب، بل وسّع مروحتها لتشمل معظم دول المنطقة والعالم، في إشارة إلى تحالف كبير سيرعى ما تقرّر، ويُنفّذ ما قالت به مبادرته التي تحتاج إلى مشاركة دول كبرى عالمية وإقليمية، بطريقة أوحت بأنّ ما تحقق شكّل الخطوة الأولى لحلف "ناتو جديد" في المنطقة قد تطول الفترة الفاصلة عن ولادته او تقصر، ليبقى رهن ما يمكن تنفيذه مما تمّ التفاهم عليه، مع إشارة واحدة قد تكون سلبية إن تمّ النظر إلى ما يطالب به من تعديلات على أنظمة حلف "الناتو" الأصلي ومواثيقه لئلا يُصاب بالوهن.