الاحداث- كتبت صحيفة "الجمهورية": التطوّرات الإقليمية الأخيرة التي بدأت مراحلها التنفيذية في اتفاق غزة، فرضت نفسها بنداً رئيسياً في مداولات الصالونات والمجالس السياسية، والجامع بينها الحذر من أيّ معوّقات قد تطرأ في طريق هذا الاتفاق، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات وارتدادات، خصوصاً في ظلّ التهديدات الإسرائيلية بإعادة فتح "باب جهنم" ما لم يُحسَم تسليم سلاح حركة "حماس"، فيما لوحظ التركيز بشكل مكثّف على جبهة لبنان، التي تُجمع تقديرات المحلّلين على أنّه سيكون المحطة الثانية بعد غزة. وتلوح في أفقه وجهتان متناقضتان، الأولى أن يوضَع على مسار التسوية السياسية، وخصوصاً أنّ وضعه الداخلي بات مؤاتياً لذلك، والثانية أنّ يوضَع على خط النار الإسرائيلية من جديد، إذ إنّ الاحتمالات مفتوحة، تعزّزها السيناريوهات الحربية والتهويلات التي تُضَخ عبر منصة X (تويتر سابقاً) وتصعيد من الداخل والخارج.
بري: إلى لبنان درّ
سياسياً، جدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري تأكيده عبر "الجمهورية"، على أنّ "الانتخابات النيابية ستجري في موعدها. ولا توجد أي موانع تحول دون إجرائها".
ورداً على سؤال حول تصويت المغتربين، أوضح: "لدينا قانون انتخابي نافذ، وستجري الانتخابات على أساسه، ما يعني أنّ عمليات الإقتراع ستحصل في لبنان، ومَن يُريد أن يشارك في الإقتراع وينتخب، يستطيع أن يأتي إلى لبنان وينتخب في لبنان".
وحول التطوّرات الأخيرة في غزة، لم يتوسّع بري في التحليل حول الاحتفالية التي رافقت وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة، مكتفياً بالقول: "إنّ ثمة أمراً كبيراً قد حصل. بعدما نُفِّذت المرحلة الأولى من اتفاق غزة، فإنّه لا يُعبّر عن اطمئنان، بل يقارب المراحل التالية من هذا الاتفاق بحذر شديد".
وماذا عن لبنان بعد اتفاق غزة؟ أكّد بري أنّه "ليس قلقاً، ويُخالف ما يُنثر في الأجواء من سيناريوهات وتهويلات تُطلَق من غير مصدر، وتُنذِر بتصعيد وحصول حرب على جبهة لبنان"، لافتاً إلى أنّ كلّ التقديرات تشي بأنّ عنوان المرحلة بعد الاتفاق في قطاع غزة هو "إلى لبنان درّْ"، هذه الفرضية هي الأقرب إلى الواقع، "لكن لا توجد معطيات حول ما يمكن أن يُطرح في هذا المسار".
في سياق جنوبي متصل، استمرّت الإعتداءات الإسرائيلية على المناطق الجنوبية، وأفيد عن تفجيرات نفّذها الجيش الإسرائيلي في بلدة ميس الجبل، وغارة جوية على بلدة وادي جيلو، في وقت عقدت لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في رأس الناقورة، اجتماعاً للمرّة الأولى منذ اجتماع 7 أيلول الماضي، في حضور الرئيس الجديد للجنة، الذي سيخلف مايكل ليني، ضمن آلية أميركية تقضي بتغيير رئيس اللجنة كل 6 أشهر.
وكان الرئيس بري قد استبق الاجتماع بالقول: "الجنوب الآن على موعد مع اجتماع هيئة الرقابة في الخامس عشر من الشهر الجاري". وسأل: "ما الذي يمنعها من التدخّل لدى إسرائيل لتوقف اعتداءاتها وخروقاتها؟ وهل سينتهي بلا أي نتيجة، على غرار اجتماعاتها السابقة؟ وماذا ستقول في ردّها على البيانات الصادرة عن قيادة قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" بتحميل إسرائيل مسؤولية خرق الاتفاق وعدم الإلتزام به، بخلاف "حزب الله" الذي لم يُطلق رصاصة واحدة فور سريان مفعول الاتفاق"؟. كما سبق له أن أكّد في أكثر من مناسبة على ما مفاده، بأنّ "الأولوية هي لوقف العدوان الإسرائيلي الذي يستهدف لبنان كلّه، وأنّ لبنان اتخذ ما يمكن اتخاذه من قرارات وخطوات تعكس التزامه الكلّي باتفاق وقف الأعمال العدائية والقرار 1701، والجيش مولج بالوضع في الجنوب، ويقوم بمهامه على أكمل وجه بالتعاون والتنسيق مع قوات "اليونيفيل"، وإسرائيل بشهادة الجميع تُشكّل العائق أمام إكمال انتشار الجيش جنوب الليطاني، وتواصل اعتداءاتها، في ظل انكفاء واضح من قِبل رعاة الاتفاق وكذلك لجنة الإشراف على تنفيذه، عن القيام بالدور المطلوب منهما لوضع حدّ للتفلّت الإسرائيلي وحمل إسرائيل على الإلتزام بالاتفاق".
التسوية موجودة
وفي موازاة كلام بري هذا، تؤكّد مصادر موثوقة لـ"الجمهورية"، أنّ الاحتمال الأقرب إلى الواقع بعد اتفاق غزة، هو أن يتوجّه الأميركيّون مباشرةً نحو لبنان، لإطلاق ما يسمّونه مسار الحلّ السياسي وترسيخ الهدوء على جانبَي الحدود الجنوبية، كاشفة عن إشارات ديبلوماسية غربية وردت إلى مراجع مسؤولة، تفيد بتحضيرات لإطلاق مفاوضات في المدى المنظور، لكن من دون أن توضح المصادر "شكل المفاوضات، وما إذا كانت ذات طابع أمني أو سياسي أو أمني وسياسي معاً".
واللافت في هذا السياق، ما أكّد عليه مرجع كبير لـ"الجمهورية"، لجهة رفض لبنان المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، أو إعطاء أي مفاوضات قد تحصل أيّ بُعد سياسي، وما طرحه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، عكس من جهة الموقف اللبناني الجامع، بأنّ لبنان لا يُريد الحرب، وحدّد من جهة ثانية ما يمكن للبنان أن يقبل به على هذا الصعيد، أي مفاوضات على غرار مفاوضات ترسيم الحدود البحرية التي رعاها الأميركيّون عبر آموس هوكشتاين، تحقق الوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، وإطلاق الأسرى اللبنانيِّين، وتمكين أبناء القرى والبلدات اللبنانية المدمّرة جراء العدوان الإسرائيلي من إعادة إعمارها.
وفي رأي المرجع الكبير عينه، فإنّ مسار الاتفاق على جبهة لبنان لا تعتريه صعوبات كمثل الصعوبات والتعقيدات التي اعترت وتعتري مسار الاتفاق في غزة، لأنّ ثلاثة أرباع الطريق منجزة، ولسنا في حاجة إلى تسوية جديدة، إذ لدينا تسوية قائمة محدّدة مندرجاتها في اتفاق وقف الأعمال العدائية المعلن في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، وكذلك في القرار الدولي 1701. ولبنان بشهادة كل العالم، ومعهم قيادة "اليونيفيل" ولجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق، التزم بالكامل بكل تفاصيلها، والجيش اللبناني يقوم بمهامه كاملة بالتنسيق والتعاون مع قوات "اليونيفيل" جنوب الليطاني وفق منطوق القرار 1701، ولبنان على مستوياته الرسمية جميعها يؤكّد أنّه لا يُريد الحرب، بل ترسيخ الأمن والاستقرار، والرئيس عون حدّد في كلامه الأخير أنّ مكمن المشكلة هو لدى إسرائيل وليست لدى لبنان، ما يعني أنّ اتفاق 27 تشرين والقرار 1701 ملتزَمٌ بهما من طرف واحد هو لبنان، وليس المطلوب إلّا إلزام إسرائيل بصورة جدّية بمندرجات القرار الدولي، واتفاق وقف عدوانها على لبنان، واستباحتها المتمادية لأجوائه بـ"قناصات مسيّرة" لاغتيال المواطنين. والأميركيّون، وعلى غرار ما فعلوه لفرض اتفاق غزة، يملكون بالتأكيد قدرة الضغط والإلزام على إسرائيل".
تقدير غربي
وحول ما جرى في غزة والاحتفالية الحاشدة التي واكبته، في تجمّع عدد كبير من القادة العرب والأجانب الذين تقدّمهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب في شرم الشيخ، نُقِل عن معنيِّين بحركة الاتصالات الخارجية مع لبنان، عن مسؤول غربي رفيع قوله: "إنّ تحوّلاً كبيراً تشهده منطقة الشرق الأوسط، يؤسّس لتغييرات جوهرية لن تتأخّر في الظهور".
ووفق ما يُنقل عن المسؤول الغربي، فإنّه "يستبعد احتمالات الحرب والتصعيد على جبهة لبنان"، معتبراً أنّ "الفرصة متاحة حالياً، وبصورة جدّية، لإطلاق مسار سياسي نحو تسوية تُشكّل مصلحة لكلّ الأطراف". وفي تقديره "أنّ "حصرية السلاح" بيَد الدولة التي أكّد عليها الرئيس اللبناني والحكومة اللبنانية، أصبحت بعد التطوّرات التي شهدها ملف قطاع غزة، هدفاً قابلاً للتنفيذ أكثر من أي وقت، وستُنفّذ بالتأكيد وسيُسحب سلاح "حزب الله"، ولاسيما أنّ الظروف باتت مؤاتية لذلك، ليس بوصف سحب هذا السلاح هدفاً لأكثرية اللبنانيِّين فحسب، بل هو هدف دولي، وتضعه واشنطن في رأس قائمة أولوياتها وأهدافها".
وإشارة الرئيس ترامب إلى دعم مهمّة الرئيس اللبناني لنزع سلاح "حزب الله"، ينبغي التعامل معها بحجمها، ومقاربتها بجدّية مطلقة، بالأخص من قِبل "حزب الله". وخصوصاً أنّ الأميركيِّين جادون في هذه المسألة، ويعتبرون أنّ سحب سلاح الحزب سيحصل في نهاية المطاف، بمعزل عن الطريقة التي سيتمّ فيها ذلك، أكان بالتفاهم أو غير ذلك. وإشارة الرئيس ترامب هذه تتسمّ بصفة الاستعجال، ولا تفسح مجالاً للتباطؤ أو التراخي لوقت طويل".
أي معادلة؟
وفيما بدا كلام الرئيس الأميركي وكأنّه يفترض أنّ "حزب الله" انتهى كقوّة عسكرية، وأنّه تعرّض ومحوره إلى هزيمة، أفقدته قدرة الاستمرار، ومجاراة القواعد والمعادلات الجديدة التي تُرسَم في المنطقة، ولبنان من ضمنها، أكّدت مصادر قريبة من "حزب الله" رداً على سؤال لـ"الجمهورية"، "إنّنا ندرك حجم الضغوطات التي تُمارس علينا من كل الجهات داخلياً وإقليمياً ودولياً، وموقفنا ثابت ومعروف، سلاح المقاومة خط أحمر، وسبق لنا أن أكّدنا أنّ هذا السلاح بالنسبة إلينا يُعادل الروح، ولن نتخلّى عن أرواحنا وسنواجه أي محاولة بقوّة غير مسبوقة أياً كان مصدرها".
عون: حق المعرفة
رئاسياً، أكّد الرئيس عون أمام زواره، أنّ "لبنان الجديد سيُبنى على العدالة والحقيقة"، لافتاً إلى أنّ "قضية المفقودين والمخفيِّين قسراً تتجاوز الانتماءات السياسية والطائفية، وبالتالي فإنّ الحق مقدّس لكل عائلة في معرفة الحقيقة عن مصير أبنائها المفقودين"، داعياً "جميع الأطراف المعنيين إلى التعاون".
الخارجية وتصويت المغتربين
على الصعيد الانتخابات وفي موازاة الصعوبات التي تواجه المحاولة التي يقودها حزب "القوات اللبنانية" بالشراكة مع مجموعة من النوّاب المصنّفين سياديِّين وتغييريِّين، لتمرير اقتراح قانون معجّل مكرّر يمنح المغتربين حق انتخاب كل أعضاء المجلس النيابي، بدا أنّ تلك الجهات غيّرت تكتيكها، عبر محاولة تمرير هذا الأمر من الباب الحكومي.
وتبدّت هذه المحاولة في الإعلان أمس، عن أنّ وزارة الخارجية المحسوب وزيرها يوسف رجي على "القوات"، أرسلت إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء قبل يومَين مشروع قانون معجّل بذات مضمون الاقتراح النيابي المذكور، يرمي إلى الغاء المادتَين 112 و122 من قانون الانتخابات المتعلقَين باقتراع المغتربين، اللتَين تحصران تمثيلهم بـ6 مقاعد مخصّصة للاغتراب، والسماح للبنانيِّين المقيمين في الخارج باختيار ممثليهم الـ128 في مجلس النواب بحسب دوائر قيدهم. وبرّرت الخارجية خطوتها هذه بأنّها تأتي بعد تلقّيها في الأسابيع الأخيرة عدداً من العرائض والرسائل، من عددٍ كبير من أبناء الجاليات اللبنانية حول العالم (برلين، ستوكهولم، أوتاوا، مونتريال، واشنطن، نيويورك، أبوجا، مدريد، لندن، ملبورن وباريس...) يطالبون فيها بإلغاء المادتَين المذكورتَين ومنحهم حق الاقتراع بحسب دوائر قيدهم في لبنان.
تقدير إيراني
إلى ذلك، برز ما أورده موقع Tehran Times الإيراني، إذ لاحظ أنّه "كلّما اقتربت إسرائيل من الهدنة مع أحد الأطراف، وجّهت سلاحها نحو طرف جديد. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو التقارب بين الرؤيتَين الأميركية والإسرائيلية بشأن لبنان".
وبحسب الموقع، فإنّ "مرحلة ما بعد غزة ليست سلاماً، بل هي مرحلة انتقالية، ولبنان الآن بين نارَين: نار التصعيد الإسرائيلي، ونيران الخيارات الداخلية الضيّقة، ويواجه خيارَين صعبَين: إمّا الإنخراط في مشروع تسوية إقليمية مشروطة، وربما باهظة التكلفة، أو الاستعداد لمواجهة عسكرية قد تندلع في أي لحظة، بحجة ردع "حزب الله". والمرحلة المقبلة ستكون مفصلية في تحديد مسار البلاد لعقود مقبلة".