Search Icon

خدمة "ستارلينك" تثير جدلاً لبنانياً: ضرورة تستدعي تنظيماً قانونياً

منذ 6 ساعات

من الصحف

خدمة ستارلينك تثير جدلاً لبنانياً: ضرورة تستدعي تنظيماً قانونياً

الاحداث- كتبت سلوى بعلبكي في صحيفة النهار تقول:"لم يحدث طوال الأزمات والأحداث التي عصفت بلبنان، في تاريخه الحديث، والانهيارات المالية المتكررة وتفكك المؤسسات الرسمية، أن تخلت الدولة اللبنانية عن إدارتها المباشرة لقطاع الاتصالات وإخضاعه لسلطتها، من دون أي خرق قانوني يذكر.
فقد نص المرسوم الاشتراعي رقم 126 الصادر في 7 حزيران 1959، على أن الدولة تتمتع حصرا بحق الإنشاء والاستثمار والاستعمال لشبكات الاتصالات الدولية، بما في ذلك خدمات الهاتف، والبرق، واللاسلكي، وكل ما يتصل بنقل الإشارات والمعلومات عبر الحدود. فمنذ ذلك التاريخ، لم تمنح أي جهة خاصة، محلية أو أجنبية، إذنا بالربط المباشر مع الخارج من دون المرور عبر البوابات الرسمية التابعة لوزارة الاتصالات أو المؤسسة العامة "أوجيرو".
اليوم، يطرح على طاولة النقاش ملف دخول شركة "ستارلينك" السوق اللبنانية، لتقديم خدمات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية مباشرة إلى المستخدمين أو الشركات. 
الخدمة بطبيعتها التقنية، تتجاوز البنية التحتية المحلية، حيث تنقل الإشارة من الجهاز المستخدم إلى آلاف الأقمار الاصطناعية، ثم إلى محطات أرضية خارج لبنان، ومنها إلى شبكة الإنترنت العالمية، من دون أن تمر عبر البوابات الدولية التي تديرها الدولة. فترخيصها ضمن الوضع القانون الحالي يطرح إشكالية قانونية جدية، لكونه يتعارض مع المرسوم الاشتراعي المذكور، وتاليا قد يعدّ الترخيص باطلا وقابلا للطعن أمام مجلس شورى الدولة.
ويؤكد مهتمون بتفعيل الخدمة ضرورة العمل على إصدار قانون خاص عن مجلس النواب، يواكب التطورات التقنية ويعيد تنظيم قطاع الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية بما يضمن المصلحة الوطنية، ويحفظ سيادة الدولة على المعطيات والبيانات العابرة للحدود، ويحدد آليات الترخيص وشروط الرقابة والرسوم المفروضة، إضافة إلى الترتيبات الأمنية والتقنية الضرورية. 
والحال أن عددا من الدول المتقدمة، خصوصا في أوروبا، تعاملت مع المسألة بحذر شديد. ففي فرنسا، ألغى مجلس الدولة عام 2022 الترخيص الذي منح لشركة "ستارلينك"، بعد طعن تقدمت به جمعيات مدنية. وعلى مستوى أوسع، يعكف الاتحاد الأوروبي على تطوير مشروعه الخاص للإنترنت الفضائي المعروف باسم IRIS²، بهدف تقليل الاعتماد على خدمات خارجية، وتعزيز ما يعرف بـ"الاستقلال الرقمي". في المقابل، تقدم دول مثل الإمارات العربية المتحدة نموذجا مغايرا لفرض السيادة، حيث تحتفظ الدولة بملكية مباشرة على بوابات الاتصالات الدولية، وتخضع حركة البيانات بالكامل لرقابة مركزية.
لكن المكتب الإعلامي لوزير الاتصالات شارل الحاج أكد لـ"النهار" أن الوزير "لا يرفع عادة إلى مقام مجلس الوزراء أي معاملة أو مشروع قرار أو مشروع مرسوم، قبل استشارة الدوائر القانونية المعنية، للتأكد من الشكل والمضمون، ولن يكون ملف "ستارلينك" استثناء".
بالنسبة إلى لبنان، تشير المعطيات التقنية إلى أن الخدمة عند تفعيلها، ربما لن تمر عبر أي بوابة لبنانية محلية، بل ستعتمد على إحدى المحطات الأرضية المجاورة، يرجح أن تكون في قبرص، لكونها متصلة مباشرة بمراكز بيانات أوروبية، حيث تملك "ستارلينك" نقاط نفاذ رئيسية إلى الإنترنت. 
في كل الأحوال، فإن البيانات الصادرة من المستخدم اللبناني ستنتقل من الطبق المثبت في منزله أو شركته إلى القمر الاصطناعي، ثم ترسل إلى محطة أرضية خارج الحدود، ومن هناك إلى شبكة الإنترنت العالمية، من دون أن تمر بأي شكل من الأشكال عبر الشبكات أو البوابات الدولية التي تسيطر عليها الدولة اللبنانية.
في المقابل، أبدت شركات تقديم خدمات الإنترنت ونقل المعطيات ISP  وDSP  اعتراضها الكامل على ترخيص "ستارلينك"، وركزت على جملة مخاوف أبرزها فقدان المشتركين، وعدم المساواة في الالتزامات المالية والضريبية، وضرب البنية التحتية الوطنية. ولكن، يرى عدد من المتخصصين أن هذه الاعتراضات مبالغ فيها، لكون الخدمة الفضائية تستهدف المناطق غير المخدمة، وتبقى مرتفعة الكلفة مقارنة بالشبكات المحلية. كما أن وضع إطار قانوني منظم يمكن أن يحد من المخاطر ويتيح فرص شراكة جديدة بدل الانغلاق.
المطلوب اليوم ليس رفض الخدمة، بل الإسراع في تنظيمها عبر إطار قانوني حديث.