الاحداث- كتب فؤاد بدي في صحيفة الاخبار يقول:"قبيل حلول الذكرى السنوية الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار، والذي أنهى العمليات الحربية الواسعة في 27 تشرين الأول عام 2024، بدأت الهيئة العليا للإغاثة العمل على إطلاق ملف «الترميم الإنشائي» في الضاحية الجنوبية، والذي يشمل الأبنية المتصدعة إنشائياً، أي تلك التي تعرضت لأضرار على مستوى الأعمدة أو الأسقف أو الأساسات في الأقسام المشتركة والخاصة، إنّما لا تزال قائمة.
«مبدئياً نحن بانتظار تحويل الأموال للبدء في عملية الترميم» يقول رئيس الهيئة العليا للإغاثة العميد بسام النابلسي في اتصال مع «الأخبار». ومن أجل عدم تضييع الوقت، تقوم الهيئة حالياً باستكمال الملفات الهندسية للأبنية المتصدعة إنشائياً، إذ تقوم الفرق الهندسية التابعة للمكتب الاستشاري بالكشف عليها لدراسة وضعها، قبل البتّ في ملفاتها إن كانت صالحة للترميم أو يجب أن تحوّل إلى الهدم.
وفي حال وجدت الفرق الهندسية أنّ المبنى صالح للترميم، يحوّل إلى لجنة أخرى لفحص الباطون، وهذه العملية تحتاج أيضاً إلى استدراج عروض. وبحسب النابلسي فإن دفتر الشروط الذي على أساسه ستلزّم عمليّة ترميم الأبنية أصبح شبه جاهز، ولكن ليس لديه تصوّر واضح للكلفة الكليّة للمشروع، وذلك يعود إلى متغيّر أساسي يتعلق بعدد الأبنية المرشحة للترميم الإنشائي الذي يزداد كلما تقدّمت عملية فحص المباني المتضرّرة.
فالعدد الذي بدأت الهيئة بالعمل عليه كان 150 بناءً كحدّ أدنى، لكن الكشوفات الهندسية قلّصت هذا الرقم، إذ تفيد الفرق على الأرض بأنّ الضرر الواقع على العناصر الإنشائية من أعمدة وأسقف وأساسات أكبر من أن يرمّم. لذا حُوِّل جزء كبير من الأبنية المرشحة للترميم الإنشائي للهدم.
دفتر الشروط الذي على أساسه ستلزّم عمليّة ترميم الأبنية أصبح شبه جاهز إنّما الأموال لم تحوّل بعد
على الأرض، يشير النابلسي إلى إعطاء الهيئة العليا للإغاثة الأولوية في الكشوفات للأبنية الأكبر من ناحية عدد الطبقات. ورغم أنّ الصورة الخارجية تظهر أنّ الضرر مقبول في الأبنية، أو يمكن ترميمه، إذ طال القصف طبقة أو اثنتين، إلا أنّ الكشوفات الهندسية أظهرت ضرراً عميقاً لا يمكن إصلاحه. عندها تتخذ الهيئة القرار بالهدم، وتبلغ البلدية المعنيّة بالأمر لوضع الحواجز ومنع المرور بالقرب من مناطق العمل.
إذاً، خطوة الهيئة العليا للإغاثة جاءت متأخرة أكثر من 10 أشهر، إذ كان يمكن البدء بعملية الترميم الإنشائي في الأسابيع التالية على انتهاء العدوان، لكن القرار السياسي لم يكن جاهزاً لمثل هذا الأمر إذ خضع لقواعد خارجية كانت تربط عملية الإعمار بمسألة «نزع السلاح» التي تطلبها أميركا والكيان الصهيوني.
وقد أتى هذا القرار من الهيئة العليا للإغاثة بعدما رضخت وزارة المال لمطالب نواب حزب الله والضغوط التي مارسوها على رئيس الحكومة ووزير المال.
ففي ذلك الوقت، أي قبل بضعة أشهر، تلقى هؤلاء وعوداً من الحكومة بتحويل المبالغ المطلوبة لبدء هذه العملية، إلا أن هذه الوعود لم تُترجَم إلى أعمال فعلية، بل بدا كأنها تتماهى مع الضغوط الخارجية التي تسعى إلى منع إعادة الإعمار وربطه بملف «نزع السلاح».
ورغم أن هذه الانطلاقة للهيئة العليا للإغاثة أتت متأخرة، إلا أنها ما تزال في مرحلة التحضير. وبدء التنفيذ يرتبط عملياً بتحويل الأموال من وزارة المال إلى الهيئة لبدء عملية التلزيم.
لكن في ظل كل هذا الوقت الضائع لم يكن حزب الله في موقف المطالِب المتفرّج، بل باشر من جهته بعملية الترميم البسيط والإنشائي التي قطعت شوطاً مهماً، إذ إن غالبية الترميم البسيط انتهى، ما أتاح لعدد كبير من العائلات العودة إلى منازلها، وفيما بدأت عملية الترميم الإنشائي التي شملت تلزيم نحو 160 مبنى، فإن الواقع الميداني يظهر بوضوح وجود أعمال إعادة الإنشاء لأعمدة أساس في أكثر من منطقة مثل الشياح والكفاءات وبئر العبد والرويس وغيرها من مناطق وأحياء الضاحية المتضرّرة، فضلاً عن ترميم في الأقسام المشتركة مثل السطح والقبو وخزانات المياه المشتركة وسواها من الأعمال المتعلقة بهذه الأقسام. وفي عدد من هذه الأبنية التي انتهت أعمال الترميم الكبيرة فيها، عاد السكان إليها رغم عدم انتهاء «أعمال التشطيب»، أي الترميم البسيط داخل البيوت.
وبحسب أرقام جهاد البناء، كان يبلغ عدد الأبنية المتصدعة إنشائياً في الضاحية الجنوبية وبيروت 492 مبنى، وهي بمعظمها أبنية كبيرة مؤلّفة من عدّة طبقات، وتقدّر الكلفة الأوليّة لترميمها بنحو 37 مليون دولار. وهذا الرقم مرشح للتعديل بعد إعادة عمليات الكشف الهندسي على الأرض. وعلى مستوى لبنان ككلّ، يصل عدد الأبنية التي تحتاج إلى ترميم إنشائي إلى 2718 مبنى، يتركز أغلبها، بنسبة 53% في منطقة جنوب نهر الليطاني. ويذكر هنا أنّ هذا الرقم أيضاً في تناقص، حيث يعمد عدد من الأهالي في القرى الجنوبية إلى إعادة ترميم بيوتهم بأنفسهم وعدم انتظار الدولة.
اللجنة الوزارية لإعادة الإعمار تجتمع للمرة الأولى!
على بعد أيام من الذكرى الأولى لانتهاء العدوان الإسرائيلي، اجتمعت للمرة الأولى اللجنة الوزارية المعنية بإعادة الإعمار والتعافي. وبحثت في بنود أقل ما يقال عنها إنها أُنجزت، مثل مسح الأضرار والبدء بترميم المباني المتضرّرة إنشائياً.
في المقابل، أعفت الحكومة نفسها من التفكير في التعويض في ملفات أضخم من الناحية العددية، مثل الترميم البسيط أو «التشطيب»، بعدما وضعت الأمر بشكل غير مباشر في عهدة حزب الله، الذي أنجز بدوره كلّ الأعمال المطلوبة في هذا الملف.
وفي الاجتماع الوزاري المتأخّر 12 شهراً عن موعده، قررت اللجنة تكليف مكاتب هندسية استشارية لاستكمال عملية التحقّق من تقييم الأضرار. وفي موضوع الترميم الإنشائي للمباني المتضرّرة، اعتبرت أنه من الواجب «إعطاء الأولوية لإصلاح الوحدات السكنية المتضرّرة جزئياً بهدف تأمين عودة الأسر إلى منازلها في أسرع وقت ممكن»، علماً أن ملف الترميم البسيط شبه مُنجز، أي إن الحكومة «رايحة على الحج والناس راجعة»!
أمّا في موضوع ترميم وإعادة إعمار البيوت في القرى الجنوبية، فوجدت اللجنة الوقت مناسِباً لطرح مقاربة «إعادة البناء بشكل أفضل»، ما يعني أن الحكومة تفكّر جدّياً في التسبب بتأخير إضافي لإعادة الإعمار، نظراً إلى ما تحمله هذه النقطة في طيّاتها من متطلّبات هندسية وعقارية وقانونية.
وفي الختام، تقرّر لمتابعة المقرّرات تشكيل فريق تقني يضم ممثّلين عن رئاسة مجلس الوزراء، مجلس الإنماء والإعمار، الهيئة العليا للإغاثة، مجلس الجنوب ووزارة المهجّرين.